الاثنين، 22 ديسمبر 2014

لماذا نجح من تبنوا الحرف العربي بحل مشكلاته وبقينا نحن مكاننا؟




آثرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) أن يكون محور الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لهذا العام (2014) هو الحرف العربي. ومع ما للحرف العربي من تاريخ جليل نشأت عبر سنيه وانبثقت روائع من الخط، مازالت قيد الدرس، ومع ما له من مكانة يجدر بنا الاحتفاء بها والاحتفال، فإن له – في الوقت عينه – مشكلات ينبغي لفت الانتباه إليها.
وهذه مناسبة لا ينبغي أن نقصرها على الاحتفال بتاريخ العربية ودورها الحضاري فقط، بل يجب أن نتجاوز ذلك إلي درس مشكلاتها والبحث عن حلول لها.
ولنعد لمشكلات الحرف العربي وحلولها.

الصوامت والصوائت
نقول أولا إن الحروف العربية – التي كتب لها الشيوع فتبنتها لغات أخرى، مثل الفارسية، والأردو، وغيرهما – ليست سوى رموز لأصوات اللغة العربية. وأصوات العربية بدورها تتكون من أصوات صامتة (Consonants)، وأصوات صائتة أو حركات (Vowels). ونحن نواجه مع الحروف العربية مشكلات تتعلق برموز بعض الصوامت، ومشكلات تتعلق بالصوائت.

وتظهر تلك المشكلات بجلاء في وسائل الإعلام المقروءة، من صحف ومواقع إخبارية على شبكة الإنترنت.

مشكلات الصوائت
وأولى المشكلات المتعلقة برموز الصوائت أو الحركات، هي غيابها الذي يكاد يكون تاما عن صفحات الجرائد والإنترنت. فلم يعد أحد يعبأ بكتابتها، كما اعتاد القراء – مكرهين أو مستسلمين – على خلو الكتابة منها. وقد أفضى بنا ذلك إلى ارتكاب أخطاء جسيمة عند محاولتنا قراءة أي نص مكتوب غير مشكول. ولست أقصد هنا الأخطاء النحوية فحسب، بل أخطاء أخرى أيضا تتعلق بخلط دلالات الألفاظ، وأخطاء صرفية تتعلق بخلط صيغ الكلمات، أسماء وأفعالا، وحروفا أحيانا. فخلطنا نطقا بين (ثُمَّ)، وهي حرف عطف، و(ثَمَّ) وهي ظرف مكان، فأصبح بعضنا لا يستخدم إلا (ثُمَّ) في الحالتين، فيقول ثُمَّ، ومِنْ ثُمَّ. وخلطنا في أبواب الصرف ما بين الاسم المنقوص، مثل القاضِي، والاسم المنسوب، مثل قاهرِيّ. فالياء في الحالتين أصبحت على ألسنة بعضنا قراءة، واحدة بسبب غياب علامة التشديد في ياء المنسوب، وأخذنا نسمع من يقول (قاضِيّ) بياء مشددة مثل ياء (قاهرِيّ).

وفسدت – من ثَمَّ – قراءتنا، بسبب فساد كتابتنا بغياب الحركات وعلامة التشديد عن اللغة المكتوبة. وأدى غياب الحركات كتابة إلى أن يتوهم بعض أبناء العربية أن الحركات (الفتحة والضمة والكسرة) ما هي إلا رموزا زخرفية نزين بها الخط، وليست جزءا أساسيا من الكلمة.

مشكلات الصوامت
أما مشكلات رموز الصوامت، أي الأحرف الأخرى التي تكتب على السطر، فسوف نعرض هنا لنموذج واحد منها فقط، هو حرف (الجيم) عند وروده في كلمات غير عربية.

وصوت الجيم في العربية من الأصوات غير المستقرة، التي تعرضت للتغير عبر رحلة اللغة. فهو في العربية القديمة – وهي لغة سامية، مثل العبرية، كان ينطق مثل الحرف الأخير من كلمة (leg) الإنجليزية. ثم أصبح ينطق مثل الحرفين الأول والأخير في كلمة (judge)، وكُتب الشيوع لهذا النطق الأخير المحدث فتبناه عدد من المتحدثين بالعربية، لكنه لم يقض تماما على النطق الأول القديم الذي ظل باقيا في بعض مناطق الحجاز وعُمان واليمن الجنوبي ومصر. وفي الخليج ظهرت صيغة نطق جديدة حولته إلى ما يشبه الحرف الأول من كلمة (year) الإنجليزية.

ومع انتشار الصحافة وذيوع الطباعة والاحتكاك بالغرب نشأت الحاجة إلى كتابة أسماء أعجمية برموز الحرف العربي. فكيف نكتب كلمات مثل (Gas)، و (Ghana)، و (Yugoslavia)؟

حرف واحد لصوت واحد
شاء بعض العرب استخدام رمز (الغين) تمثيلا للصوت الأول في الكلمتين الأولى والثانية، والصوت الثالث في الكلمة الثالثة. ولم يكن ذلك – من وجهة نظري – خيارا موفقا. فقد ضرب عرض الحائط بقاعدة تمثيل الحروف للأصوات. إذ إن الأبجدية في أغلبها مبنية على أن للصوت الواحد حرفا واحدا يمثله. وحرف (الغين) في العربية هو رمز لصوت عربي مستخدم وشائع في لغتنا، في كلمات من قبيل (غَنيّ)، و(أُغْنية)، و(أصباغ). ومع اختياره لتمثيل صوت (g) في كلمة (gas) مثلا، أصبح لدينا في عربيتنا المعاصرة والمتداولة في وسائل الإعلام حرف واحد، أو رمز واحد يستخدم لصوتين مختلفين، هما الصوت العربي في أول كلمة (غنيّ)، والصوت الأول في كلمة (gas) الإنجليزية.

وتولدت مع مرور الزمن – نتيجة لهذا الخيار غير الموفق – أخطاء في نطق أسماء بلدان، مثل (Ghana)، و(Guinea) و(Yugoslavia) التي أصبحنا ننطقها بالغين وكأنها كلمات عربية تحتوي على صوت (الغين) العربي القح.

خيار اللغة الفارسيةش
وحتى نتلافى هذا الخلط، كان ينبغي علينا استخدام خيار اللغة الفارسية.
تحتوي الفارسية على ثلاثة أصوات قريبة التشابه من بعضها بعضا، هي (dj) كما في كلمة (judge)، وصوت (j) كما في آخر كلمة (garage)، وصوت (g) كما في كلمة (gas). فماذا فعل الفرس عندما تبنوا الحروف العربية لكتابة أصوات لغتهم؟ أضافوا حروفا جديدة إلى الأبجدية العربية المتبناة. فمثلوا صوت (g) بحرف جديد هو الگاف الفارسية (گ)، وهو كاف فوقها شرطة، ومثلوا صوت (j) في آخر كلمة (garage) برمز جديد آخر هو (ژ)، وهو راي فوقها ثلاث نقاط. أما حرف (الجيم) العربي فبقي يمثل صوت (dj).

لقد نجح الفرس لأنهم حافظوا على القاعدة الأساسية في الأبجدية المستقيمة، وهي أن لكل صوت رمزا، ولا يمكن استخدام رمز واحد لصوتين مختلفين.

وكان حريا بنا أن ننحو نحوهم، بيد أنا لم نفعل. فهل نأمل في يوم اللغة العربية في أن نبادر إلي التفكير في وضع حلول لمشكلات حروفها، قبل أن نهرع إلى وضع أكاليل الزهور احتفاء بها؟


رأي اليوم - د. محمد رياض العشيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق