الأحد، 14 ديسمبر 2014

قطاع التعليم التقني والتكوين المهني "الواقع الحقيقي والنماذج المطبقة "

يعد التكوين المهني احد ركائز  التطور التكنولوجي المعاصر، فخلال السنوات الأولى  للنهضة الأوربية كان لأصحاب الحرف والمهنيين المؤهلين اليد الطولي في التطوير والاختراع والإبداع ، وعندما ظهر العالم الجديد كانت الآلات الزراعية والمصانع تحتاج إلى يد عاملة مؤهلة من اجل أن يكون إنتاج تلك 
المصانع والمنشات على أحسن ما يرام ، أما  في اليابان فخلال النصف الأول من القرن الماضي أصبح اليابانيون يدرسون كل جديد من الآلات الصناعية في المدارس من اجل تطوير ملكة الإبداع لدي الطلاب ، وهكذا أصبح اسم اليابان مقترن بكل ما هو جديد من إبداعات تكنولوجية  واختراعات.

في بلدنا ، وان كنا لا نملك  مصانع ومنشات صناعية عملاقة فان تكنولوجيا العصر تفرض نفسها علينا من خلال التطبيقات المنزلية البسيطة والصناعية المعقدة ، تلك التطبيقات تحتاج إلى يد عاملة فنيا ذات كفاءة وخبرة لصيانتها وتبديل غياراها ، فالسيارات والآلات الصناعية والزراعية كلها تحتاج إلى مهنيين لهم القدرة على إصلاحها أن تعطلت و صيانتها على مدار فترتها الزمنية المحددة لعملها.

وهكذا استطاعت البلاد في ظل التحولات الجديدة أن  تركز بتمعن على التكوين المهني ، و أنشأت وزارة جديدة مختصة عهد إليها بتطوير القطاع ،  وأنشئت مراكز للتكوين المهني في مختلف مناطق البلاد ، وقبل ذالك كانت هناك ثانويات فنية وتقنية ، ذات تخصص كما هو الحال في بوكي الثانوية التجارية بنواكشوط  ، كما أنشئت الدولة في العقد الثامن من القرن الماضي معهدا عاليا للتكوين الفني ، كل هذا بهدف تخريج أجيال من التقنين والفنين والمهنيين.
لكن هل وقعنا فريسة للمصطلحات..؟؟  وهل تلك المراكز هي مجرد امتدادات عشوائية علي غرار ما جبلت عليه العقلية الإدارية في موريتانيا ؟؟؟؟ وهل هناك إستراتيجية واضحة المعالم أم أنها مجرد تجارب ارتجالية  آنية لا تسعي إلي بلوغ أهداف واضحة المعالم  ؟؟؟

في نهاية العقد السابع من القرن الماضي أنشئت في موريتانيا ثانويات تقنية أوكل إليها مهمة تدريس (وليس تكوين) "تقنيين" في مجالات مختلفة ،  وإلى اليوم كانت هذه المؤسسات تخرج طلاب لايعرف هل هم فنيون..؟!! أم تقنيون..؟؟!! يطهر ذالك جليا لدي خروجهم إلي الممارسات العملية في القطاعات التي تكونوا بها (اسنيم مثلا فضلت دائما خريجي المعاهد من البلدان المجاورة علي خريجي الثانويات التقنية بنواكشوط و انواذيبو وكان ذالك السبب الرئيس الذي دفعها إلي التعاقد مع الكثير من المعاهد في الخارج لتدريب وتكوين تقنيها الجدد إلي أن أنشأة بالتعاون مع وزارة التهذيب الوطني و بتأطير من طرف الفرنسيين المركز العالي للتعليم التقني(CSET) بداية الثمانينيات قبل أن تنشأ  لنفسها مؤخرا مركز للتكوين خاص بها) .
خلال إنشاء تلك المراكز آنفة الذكر خرج إلى الساحة مصطلح "التكوين المهنــــــي"، وفي المحصلة أن هناك مؤسسات مختلفة تماما عن بعضها في شكلها الإداري والمهني ،  لديها برامج تربوية مختلفة  تماما ، وتكوينات مختلفة ، وهي تمنح شهادات مختلفة ، غير أن أصحابها لديهم نفس التوجه المهني "فرضا" ولكن بتسميات مختلفة بعيد طبعا عن المحصلات المعرفة (الفراغ و"التجويف"  المعرفي للخريجين) .

تشكل مراكز التكوين التابعة للوزارة التكوين المهني الجديدة  سبعة عشر(17) مؤسسة علي النحو التالي:
1 مركز تكوين عال (CEST)
 4 ثانويات تقنية (الثانوية الفنية في نواكشوط و نواذيبو ، الثانوية التجارية بنواكشوط ، والثانوية الفنية  ببوكي ـ درة الإهمال الإداري ـ )
2 مركزا للطلاب المحاظر (أطار والنعمة ..خلال السنة الماضية تم "ارتجال" دمج مركز التكوين المهني و المحاظر باطار وتسميته "الإعدادية الفنية" ...ثم تم العدول عن القرار.. وبعد ذالك بأشهر تم اعتماده من جديد علي أن يتم تسير كل واحد منهما كمؤسسة ذات ميزانية مستقلة و إلي غاية اليوم يعيش طلابهما إشكالية هوية !! هل هم في إعدادية فنية أم في مركز تكوين !!!)

تستخدم الوزارة الفتية في مؤسساتها ـ الفنية والتقنية والمهنية ـ ما مجموعه 718 شخصا من بينهم: 337 مكون (271 موظف و66 متعاقد)؛ طاقم إداري وتقني عدده 262؛ عمال دعم عددهم 119 وكيل. كل ذالك ، في سبيل تكوين 2193 متدربا خلال 2011، تقنيا أو فنيا أو مهنيا حسب التسمية التي يختارها بيادقة  مديرية التكوين المنهي سابقا إبان وزارة التهذيب الوطني.
الرقم
المؤسسة
طاقم
المجموع
تدريسي
إداري والتقني
دعم
1.     
المركز العالي للتعليم التقني؛
8
9
7
24
2.     
ثانوية التكوين التقني والمهني الصناعي في انواكشوط؛
109
27
20
156
3.     
ثانوية التكوين التقني والمهني في انواذيب؛
66
9
2
77
4.     
ثانوية التكوين التقني والمهني التجاري في انواكشوط؛
33
13
8
54
5.     
ثانوية التكوين التقني والمهني في بوكي؛
43
32
16
91
6.     
مراكز التكوين والتدريب المهني في انواكشوط
13
32
7
52
7.     
مراكز التكوين والتدريب المهني في روصو
5
7
5
17
8.     
مراكز التكوين والتدريب المهني في أطار
8
7
4
19
9.     
مراكز التكوين والتدريب المهني في لعيون
7
6
6
19
10.
مراكز التكوين والتدريب المهني في سيلبابي
6
9
5
20
11.
مراكز التكوين والتدريب المهني في كيفه
7
10
8
25
12.
مراكز التكوين والتدريب المهني في آلاك
2
6
3
11
13.
مراكز التكوين والتدريب المهني في كيهيدي
3
6
3
12
14.
مراكز التكوين والتدريب المهني في تجكجة
6
11
5
22
15.
مراكز التكوين والتدريب المهني في النعمه
3
7
5
15
16.
مركز التكوين المهني لخريجي المحاظر في النعمة؛
5
25
7
37
17.
مركز التكوين المهني لخريجي المحاظر في أطار؛
13
46
8
67

المجموع
337
262
119
718

النسبة المأوية
47%
36%
17%
100%
 
بلغت ميزانية تسير هذا الكم الغير متجانس ما يناهز المليارين من الأوقية خلال سنة 2011 وهو الرقم الذي يجعلك تصاب بالدوار إذا نظرت إلي مخرجات هذه العملية (3.4 مليار 2008 أيام وزارة العمل والتكوين المهني).

مراكز التكون التي أود الحديث عنها أكثر من غيرها نظرا لأهميتها في ما يراد لها أن تكون وما هي عليه بالفعل ، عهد في تيسرها إلي " الجيل الثاني من حضارة إدارة التكوين المهني سابقا "، للهم إلا من دخلاء في العهد القريب  أتوا إليها من "ورشات للحام" هم أكثر خبرة بالصناعات المعدنية منهم في تسير مؤسسات "ذات طابع إداري ومالي مستقل".
       
بلغت ميزانية احدي تلك المؤسسات 54 مليون أوقية مقابل تخريج 58 مهنيا لم يزاول منهم  النشاط المهني المتعلق بتخصصاتهم أكثر من 15%  نظرا إلي ا ن تلك الإدارة تصرف أكثر من 75% كرواتب لأكثر من عشرون موظف  يزاول منهم العمل بصفة فعلية  اقل من العشرة بكثير، هذا بالإضافة إلي أن "إدارة الدمج" (جزء الوزارة المعني بدمج الخريجين في العمل)  لم تعتني بمدمج هؤلاء الخريجين  في سوق العمل ولا "مديرية الشغل" (جزء الوزارة المعني بالشغل ومشاكل اليد العاملة) اعتنت بمن أراد الله له أن يحصل منهم علي عمل للتحقق من ظروف عملهم هل هي مواتية وغير ذالك من التقصير الإداري شبه المتعمد بحسب أراء أولئك الأبرياء. 

بعض تلك المراكز بلغت ميزانيته خلال العام 2010 و2011 قرابة 40 مليون مقابل تكوين 0 شخص ألاك و كيهيدي أنموذجا!!!
ثانوية التكوين التقني في بوكي "درة الإهمال الإداري" عهد ولد الطابع ذات ميسرة من البنك الدولي بإنشائها وأنجزت بكل المقاييس الفنية والتقنية ، وكانت بادرة نوعية في المنطقة،  لكنها سرعان ما أفل نجمها ، حيث أراد لها إداريو وزارة التكوين المهني الجديدة أن تكون مجرد بنايات شاسعة وكبيرة جدا خاوية علي عروشها من خلال افتتاح مركز للتكوين المهني في ألاك و آخر في كيهيدي (على بعد 100 كلمتر من الجهتين) وبالتالي لم تجد الثانوية أية فرصة لاستقطاب الطلاب ، علي أن تلك المراكز فشلت هي الأخرى في استقطاب الطلاب  بسبب قلة كفاءة التكوين بهما.

يحدث كل هذا ونحن نسمع عن شركات عالمية تستثمر في البلد وتنفق أموال طائلة علي عمال مهنيين أجانب استو فدتهم، نظرا لعدم خبرة المهنيين الموريتانيين، واتفاقيات يأخذ الحديث عنها مسار متعرجا.

في ما يتعلق بالبرامج والمناهج التربوية المطبقة في هذه المؤسسات كان في المراحل الأولي ذهبيا ، يظهر ذالك جليا في المخرجات ، لكن مع الإصلاح الجديد لمناهج التربية والتكوين ، والذي بدأ تطبيقه تدريجيا في مختلف مؤسسات التعليم و التكوين في البلد أواخر التسعينيات ، من أجل تحديثها تربويا و قيميا وتنظيميا بالمقارنة مع ما كان سائدا. فان بعض المعطيات الإيجابية- خصوصا على مستوى التأسيس النظري والنصي(المناهج والمقررات)- التي خلقها هذا الإصلاح المنهجي، وبالرغم من بعض المجهودات التنظيمية و المالية التي تبدلها الدولة ، فإنه على مستوى الواقع العيني لازالت تعتريه بعض المعوقات والسلبيات التي يمكن إجمال بعضها فيما يلي:
عدم المواكبة المالية والمادية والبشرية الكافية للإصلاح ومتطلباته الحقيقية (عدم كفاية الميزانية المالية المخصصة للتعليم، قلة الأطر و"المناصب المالية "، ضعف وعدم كفاية وجودة البنيات و الو رشات التكوينية…) عدم المواكبة الكافية والفعالة للإصلاح من حيث التاطير والتكوين المستمر، وتجديد التكوين لأطر التكوين. عدم العناية الكافية بالموارد البشرية التربوية من الناحية الاجتماعية والإدارية، حيث تبقى المجهودات الرسمية المبذولة في هذا الميدان غير كافية أمام تراكم المشاكل والصعوبات الاجتماعية و الإدارية التي يعاني منها أطر التكوين (الأجرة ونظام التعويضات، السكن ، التنقل، الحركة والتعيينات، الظروف المهنية الداخلية…).
يذكر في هذا السياق أن الكثير من المراكز تعمل علي تدور الطلاب فالخريجين سنة 2009 من بعض التخصصات يعودون إلي المركز في السنة الموالية من اجل الدارسة في تخصصات ثانية (في سنة 2011 مر على احد الطلاب  ذكر انه  لديه أكثر من 4 تخصصات دون أن يجد اندماج في العمل المهني)، بعض تلك المراكز كما ذكر لي " الراوي " تعمل علي التدوير بهذا الشكل كل سنة من اجل تحصيل ميزانيات التكوين التي يدفعها "برنامج التكوين المستمر" الذي يموله البنك الدولي تصل في بعض المؤسسات لأكثر من مليونين أوقية  للتكوين الواحد في أقصاه  6 أيام ، يتم توجه ميزانيته إلي "جيوب" خارج نطاق التكوين المستمر الفعلي.

لدي مطالعاتي الثقافية قرأت كثير عن "التنمية المستدامة" ، وخلال زياراتي المتعاقبة  لولاية كيدماغا  طالعت عن كثب مدي ضرورة التنمية المستدامة في هذا الجزء من موريتانيا حيث لا تزال الأرض تعطي خيراتها دون جهود مضنية ، وحيث يعرف العلماء  التنمية المستدامة بأنها "هو مصطلح يشير إلى التنمية الاقتصادية والبيئية ، و الاجتماعية والتي تُلبي احتياجات الحاضر والتنمية المستدامة ليست حالة ثابتة من الانسجام ، وإنما هي عملية تغيير و استغلال الموارد ، وتوجيه الاستثمارات ، واتجاه التطور التكنولوجي ، والتغييرات المؤسسية التي تتماشى مع الاحتياجات المستقبلية فضلاً عن الاحتياجات الحالية" ، احسب " أنا" أن التنمية المستدامة في "موريتانيا الأعماق" تبدأ من استجابة التكوين المهني لحاجات المجتمع المحيط به وتلبية متطلباته ، وليس من خلال طباعة الأوراق في مكاتب وزارة التكوين المهني وتوزيعها في مراكز التكوين المنتشرة في عواصم الولايات.
محمد فال ولد يحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق