الخميس، 5 فبراير 2015

هل ستؤازر وزارة التعليم رئيس الجمهورية أم ستخذله




من الجلي أن موضوع التعليم في بلادنا شكل دائما مثار جدل ونقاش تغذيه المشكلات الناتجة عن الإخفاقات التي رافقت مسيرة التعليم منذ استقلال الدولة الموريتانية .
لكن مكمن الجدة والتميز في الحوار الدائر اليوم حول التعليم هو أنه يستظل لأول مرة بمظلة الاعتراف المعبر عنه في الخطاب السياسي الرسمي بأن
منظومتنا التربوية تئن تحت وطأة لفساد مزمن وأنه آن الأوان للشروع في إصلاحها.
إن هذا التوصيف أو الحكم الذي يكاد يشكل إجماعا وطنيا نادرا والورد على لسان رئيس الجمهورية نفسه والذي تلقفه المسئولون الرسميون وطاب لهم ترديده. يضع الكرة في مرمى السلطات التعليمية في البلد بعد أن تلقت ما يمكن اعتباره تفويضا بعمل كل ما يلزم من أجل إصلاح التعليم.لكن السؤال الذي يكتنف هذا القرار السيادي هو هل قطاع التعليم نفسه جاهز بما فيه الكفاية لتسديد هذه الإرادة السياسية العظيمة وتحويلها إلى برنامج عمل يستجيب لمعايير الإصلاح ويلبي أهدافه ؟ ثمة تطور جوهري يجعلني أكثر ثقة بمستقبل العملية التعليمية في بلدنا . فقد كنا نكرر دائما إن إصلاح التعليم مرهون بتضافر إرادة سياسية عليا جادة وأنا اعتقد أن هذه الإرادة بدأت في التشكل منذ رفع السرية عن فساد التعليم قبل سنوات من الآن . واكتملت هذه الإرادة بالقرار القاضي باعتبار سنة 2015 سنة للتعليم.
إن ما يعنيه هذا القرار بالنسبة لي هو أن صافرة البداية لرحلة الإلف ميل قد انطلقت ,لكن قطع مسافة بهذا الاتساع لا يمكن أن تتم طبعا بين عشية وضحاها .
إن سير قاطرة الإصلاح يتطلب توفر عامل آخر هو المتعلق بمدى جاهزية القائمين على الشأن التربوي للذهاب في الإصلاح إلى ابعد مدى ممكن في ظل ما بات يعرف بمشكل التراكمات التي باتت اقرب إلى شماعة يعلق عليها البعض فشله أو يفر إليها من استحقاقات الإصلاح وكذلك وجود التحدي الذي يمثله لاعبين لديهم مصالح ضيقة ألفوا الدفاع عنها .
وبصرف النظر عن هذه العقبات التي سيجرفها حتما تيار الإصلاح هناك ملاحظات ينبغي أخذها بعين الاعتبار في أي مشروع إصلاحي للتعليم :
ضرورة بناء مدرسة وطنية موحدة وموحـِدة تتكلم نفس اللغة
التحيين المستمر للمناهج والمقررات التربوية بحيث تستجيب للحاجات التنموية وتنسجم في نفس الوقت مع ثوابت شخصيتنا الوطنية وتكون عامل وحدة وتلاحم بين مكونات الشعبين
إعادة الاعتبار للمدرس ولمهنة التدريس من خلال اتخاذ قرار سريع وحاسم بتحسين الوضع المادي والمعنوي للمدرس خاصة وان قطاع التعليم يتحول إلى نقطة عبور للوظيفة العمومية مما يستدعي تشجيع المدرس على التشبث بمهنته ووقف نزيف الهجرة والتغيب وعدم الاكتراث الناتج عن الشعور بعدم الرضى
إن أي خطة للإصلاح تتضمن لا محالة منظومة معايير غير أن احد اكبر مظاهر الفساد في قطاع التعليم هو عدم التقيد بالمعايير خاصة أن محاولة تطبيق المعايير تصطدم دائما بعقلية اجتماعية تتستر وراء الممارسة الإدارية تجعل من المحاباة والزبونية والمصالح الضيقة أساسا للتصرف.
التخطيط للقرارات قبل اتخاذها وتنفيذها بلا هوادة إذا ماتخذت بالفعل باعتبارها قرارات سيادية تجري على الجميع وهي مواصفات يفتقدها قطاع التعليم الذي تسود فيه الارتجالية والتردد وضعف المتابعة والرقابة واحدث مثال على ذلك القرار السيادي الأخير القاضي باسترجاع مدرسين كانوا معارين لقطاعات أخرى أو في وضعيات غير قانونية ؛فماذا تم في هذا الصدد؟ العدد الأصلي المشمول بالقرار حوالي 1200 تم استدعاء اقل من نصفهم ثم إن النسبة التي تضمنتها قائمة نشرتها وزارة التهذيب لم يستفد منها بعد.والنتيجة مزيد من عدم الثقة في القرارات الصادرة عن الوزارة والإجراءات التي تتخذها.فهل يمثل هذا التراخي والضبابية مدخلا ملائما لعملية إصلاح مطالب بها شعبيا ورسميا على أعلى المستويات؟
مراجعة سياسة التعاقد مع حملة الشهادات حيث يتم كل سنة الزج بأعداد كبيرة منهم إلى المدارس دون سابق تكوين ودونما احتكام إلى معايير شفافة أو المرور بمسابقة جادة واعتقد أن ظاهرة العقدويين يمكن تجاوزها إذا تم اللجوء للحلول التالية:
المحافظة على المدرسين المكتتبين من خلال منحهم حوافز مادية حقيقية
القيام بعملية مسح شاملة للمصادر البشرية المتكدسة في مختلف درجات السلم الإداري وتوجيهها إلى الأقسام التربوية بعد خلق العلاوات الضرورية لتثبيت المدرسين في هذه الأقسام
إجراء مسابقة العقدويين الممارسين من اجل ترسيمهم
التكوين المستمر والمتابعة والرقابة الفعالة للكادر البشري ومراجعة الخريطة المدرسية وتطبيق مبدأ العقوبة والمكافأة مع ضرورة التعويل على الدور الذي يمكن ويجب أن يلعبه شركاء المدرسة مثل رابطات آباء التلاميذ والمجموعات المحلية والنقابات والاستئناس بالخبرات الأجنبية
وخلاصة القول إننا أمام اختبار مزدوج لكل من السلطات السياسية العليا من جهة باعتبار أنها أخذت قرارا بإصلاح المنظومة التربوية الوطنية والوزارة من جهة أخرى لأنه تقع على عاتقها مسؤولية تطبيق هذا القرار وجعل سنة 2015 تاريخا لقطيعة فعلية بين لحظتين لا تشبه أحداهما الأخرى .فهل سنقول عندما نقف على الحصاد بعد سنة من الآن ما أشبه الليلة بالبارحة ام سنقول :أنجز حر ما وعد؟

 محمد فال ولد محمد اطفل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق