الأحد، 10 أغسطس 2014

تصحيح المفهوم / عثمان جدو


كانت البشرية في جاهلية عمياء و ضلالة كبرى, يأكل القوي منها الضعيف , يستولي فيها الرجل على زوج أبيه كغنيمة له بعد وفاته ,يستعبد أخاه ,يقطع رحمه,لا صوت يعلو على صوت القوة ومنطق العنف والظلم دون تمييز, لم يشفع اللون لأصحابه ولا علو مكانة
 الآباء لأبنائهم , ولا يسر الحال لمن كان حالهم ميسور, فكل ما وقع أحد هؤلاء في أيادي الظلمة طاله الظلم ,اختلفت الوسائل  وتعددت الأساليب والصورة واحدة ,ظلم ,قهر,استعباد...لم يسلم من هذه الظاهرة الأنبياء الذين كرمهم الله واصطفاهم من بين خلقه,كما وقع مع يوسف عليه السلام ,لكن ذلك لم يحجب عنه نور النبوءة ولا علو الشأن ,فلقد بعثه الله تبارك وتعالى رسولا إلى قومه ,وملكه في الأرض ,وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ,كما قال رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام ,ولقد شهدت بلاد الإسلام أوجه متعددة ومختلفة لهذه الظاهرة ,شأنها في ذلك شأن كل بقاع العالم فلقد استعبد سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي كان وجيها في قومه الفرس ,إذ كان أبوه ًدهقانا ً ,ولقد جار على سلمان قوم استأمنهم على نفسه في رفقة كان يحسبها مأمونة ,لما كان في طريقه إلى المدينة ,باحثا عن الحقيقة , ولم يسلم منها صهيب الرومي رضي الله عنه ,ولا زيد ابن حارثة رضي الله عنه,والذي كان قومه عربا أقحاح ,يخشى بأسهم,ويحسب لهم ألف حساب ,ولقد كان بلال رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين ,وجه من أوجه المستعبدين الأحباش,الذين كانوا يبيعون أبناءهم بسبب الفقر والحاجة ... ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كانت هذه الظاهرة متجذرة في نفوس البشر,يعيشونها كجزء من حياتهم اليومية ,ويستخدمون فيها بني جلدتهم كعرض من عروض التجارة , بالإضافة إلى الاستخدامات  الأخرى والمتعددة آنذاك , فكان صلى الله عليه وسلم المخلص والمنقذ لأولئك المظلومين المطحونين ,وسن الشارع جل وعلا طرائق متعددة لاستئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها ,فبدأ بالتضييق عليها في سبيل تجفيف منابعها , فكانت كفارة العتق هي أعظم الكفارات ,وكان عتق الرقبة المؤمنة من أفضل القربات ,إلى الله تعالى ,وضيق الخناق على الأسباب التي من شأنها زيادة عدد الأرقاء ,فحث على عتق أم الولد ... ولم يمنع زواج الحرة من المملوك ...إلخ , ومنع كل الأسباب وجفف كل المنابع التي كانت تعتبر الروافد الكبرى للرق ,فحرم صلى الله عليه وسلم بيع الأولاد الذي كان يعتمده الأحباش وبعض القبائل في الجاهلية ,وبين أن الآباء تجب عليهم نفقة الأبناء ,حتى يبلغوا السعي  ,وأنهم ليسوا ملكا لهم ,يستخدمونهم كتجارة,وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم السطو الذي كان منهجا ينتهجه البعض , ويحكم لغة القوة من أجل تحقيق مآربه في سبيل استعباد الآخرين ,وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتداء على من ائتمن قوما على نفسه أن يغدروا به ويتملكوه كما حدث مع سلمان الفارسي رضي الله عنه , واعتبر ذلك قطعا للطريق وشقا للعصا وانتهاك لحرمة الشارع الذي حفظ للمعاهد حقه .
ولقد شهدت بلادنا هذه الظواهر مجتمعة عندما كانت تعرف بالبلاد السائبة ,حيث ازدهر ما كان يعرف ب: الغزيان و السعاية ولعتيلة ...إلخ ,ولم يكن ذلك لهدف شرعي تعلى فيه كلمة التوحيد , وإنما لتحقيق الأطماع , وإشباع الرغبات الاستعمارية , باختصار شديد لقد حارب الإسلام هذه الظاهرة بطرائق شتى ,وسد الأبواب أمامها , ولم يبق من أبوابها إلا باب واحد ,سيظل قائما إلى يوم القيامة , وهو الذي ينتج عن الحرب العادلة , والحرب العادلة فقط ,والتي هي بإمرة إمام المسلمين العادل , وهدفها إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى , ولابد فيها من اختلاف الملة , فمن أسر من المشركين , أرقاء حتى يدخلوا الإسلام  , ويرى الإمام أن في عتقهم مصلحة للإسلام والمسلمين ,هذا السبب سيظل قائما وفيه عز ومنعة للإسلام والمسلمين ,وهذا الوجه هو الذي يعتبر الوجه الشرعي الوحيد المتبقي من أسباب العبودية , والذي لم تقم أسبابه على هذه الربوع, مما يعني عدم شرعية الأشكال الأخرى , الموجودة هنا سلفا , فهي ناتجة عن تلك الأوجه الأخرى غالبا ,والتي تتمثل في استلاء البشر على بعضهم البعض ,بفعل الفقر والعجز الفكري , وتأثير القضايا الروحية [الولاية والتازبة ...إلخ] وقضايا (السعاية والغزيان ولعتيلة ...إلخ) وغيرها من أنواع السطو الذي هدفه الاستلاء على الأموال والأنفس فقط , وبغير وجه شرعي , بل عادة ما يكون أصحاب هذه الغارات ممن لا يقدسون الدين الإسلامي ,ولا يأتمرون بأوامره , ويجدون في ذلك عزا ورفعة وتجليا لمنبعهم الاجتماعي ,وطبعا الدين منهم براء,و لقد كان علماؤنا الأجلاء قد بوبوا للتعامل مع هذه الظاهرة في كتبهم  الفقهية , وبينوا أنواع التعامل معها , لكنهم في مجمل كلامهم كانوا يتحدثون عن هذه الظاهرة على اعتبار الوجه الشرعي ,والذي سيبقى قائما إلى يوم القيامة , والذي منبعه الحرب العادلة , ولا يقصدون في فتاواهم ,ولا في كلامهم الأوجه الأخرى التي تعكس التسلط والاعتداء على البشر , وهذا هو ما انطلى فهمه على البعض , فحملوا علماءنا الأجلاء مسؤولية جهل البعض ممن انتهكوا حرمات البشرية جمعا , وصار البعض يهاجم الفقهاء تارة ويخطئهم تارة أخرى , ومن المعلوم أن موضوع العبودية لا يقتصر على جنس ولا لون عكسا للسائد في البلاد السائبة قديما وحديثا , والذي تناقله الركبان وتسامر عليه الفتيان , من هذا المنطلق ومن غيره , ينبغي رفع الملام عن أئمتنا الأعلام , وفهم مقصدهم الفقهي فهما سليما , والوقوف عند الحق الذي يقتضي إجلالهم , وفهم ما قصدوا , وما عنوا في كتبهم , والذي يشير إلى السبب الناجم عن الحرب العادلة , والحرب العادلة فقط , لا بيع الأبناء , ولا الاستلاء على الرفقاء في السفر ولا في غيره ,ولا السطو تبعا للقوة , ولا قطع الطريق  , ولا كل تلك الأسباب , التي كانت تعتبر الأوجه البارزة للاستعباد ,والتي حاربها الشارع جل وعلا, وبين ذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وطبقه أحسن تطبيق ,فزوج زيد ابن حارثة بابنة عمه , كما تزوج العديد ممن اكتووا بهذه الظاهرة ببنات الأسياد من قومهم , مما يعني أن المجتمع آنذاك , كان مجتمعا سليما , لا يحمل ضغينة للأفراد , ولا يزدريهم على أساس مكانة سابقة تبوءوها , سواء كان مؤداها ظلم أو غير ذلك , وإنما اعتبرهم , أشخاص كاملي الكرامة , لا معرة عليهم في الدين , وظهر ذلك جليا في عصر التابعين , الذي كان قادة الرأي فيه من الأرقاء السابقين ,دون أن ينقص ذلك من قدرهم شيئا , ومن هؤلاء مثالا لا حصرا .عطاء ابن أبي رباح ـ الحسن البصري ـ ربيعة الرأي ـ طاؤوس ...إلخ والقائمة تطول , مما يعني أن المجتمع حينها كان يعطي للإنسان قيمته على أساس ما يتقنه ويقدمه للمجتمع , لا على أساس الاعتبارات ,والخلفيات الضيقة , التي هي داء الأمة , وهي السبب الكامن وراء ضعفها , وهوانها على الآخرين , فعلينا جميعا أن نسعى من أجل محو هذه الفوارق ,في تعاملاتنا ,في نظراتنا , في كلامنا , في أسواقنا ,في مجالسنا , في كل ما يحيط بنا , إذا نحن أردنا البقاء ,وعلينا أن نجعل بدل القبيلة الأخوة في الإسلام ,ونتألم لآلام المسلمين , ونشتغل بمشاغلهم , ونفرح لفرحهم ونترح لترحهم ونشاطرهم كل الهموم ... بارك الله الأمة المحمدية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق