الأربعاء، 9 مارس 2016

التعليم العالي الموريتاني وضرورة الاصلاح/







لا يمكن مهما كان الأمر ، ومهما فرضت الظروف السياسية والاجتماعية للبلد بصفة عامة إهمال رأي الطالب الجامعي واختزاله في حدود ضيقة لأغراض مختلفة قد تكون موضوعية وقد يكون مبالغ فيها حسب تداعيات تبرير شخص أو آخر له هدف معين وبالخصوص إذا كانت القضية تتعلق بصلب موضوع واهتمام الطلاب "القضية الطلاب" من حيث وجوب توفير الحقوق والمحافظة على المكتسبات والسعيّ إلى تحسين الأوضاع الجامعية بصفة عامة وتحسين وضع الطالب الجامعي بصفة خاصة ، على اعتبار أنه  هو الشخص المؤهل أكثر من غيره للقيادة والتمثيل والبناء وصنع مخططات التنمية وتنفيذ استراتيجياتها .
طبعا الحديث عن مكانة الطالب ووجوب مراعاة مصالحه طبقا لمراعاة تحسين الوضع التعليمي بشكل عام ، لم يكن وليد فراغ ، بل استوجبته ظروف معينة تصبّ في مجال التضييق عليه في وقت كان النضال وكانت المساعي الطلابية تهدف إلى زيادة المكتسبات ، سواء كانت تلك المكتسبات من فضل النضال أو من منِّ الحكومة ،بفعل سياسة وزارة التعليم العالي منذ قدوم الوزير الحالي لها ، حيث أنه قام بتقليص المنح في وقت كان الطلاب يتطلعون لتعميمها زيادة إلى عدم الإنصات أو اعتبارا الرفض والاحتجاج الطلابي ، مبررا ذلك بالإصلاح ودواعي تطبيق القانون الوضعي المعتمد لدى الوزارة.
  ولن نتعرض في حديثنا هذا عن التعليم وسنة التعليم كي نكون بعيدين عن السياسة نوعا ما ، أو كي لا تخدش أحد بتوجيه هذه الكلمات وتموقع من كتبها ، وسنكرز على النضال الطلابي وعلى النقابات الطلابية وتعاطي إدارات التعليم العالي مع هذه النقابات.
بشكل عام وبصراحة نقولها أن النقابات الطلابية تسير جنبا إلى جنب مع مخرجات الواقع الذي أفرز التعددية في البلد ، ولم يضع أي معيار للحد من هذه التعددية وشروط واضحة لقبولها واستمرارها ،فأخرج نقابات عدة وبالتصريح الواقعي ما يقارب العشر نقابات أو يزيد عليها حاملة كلها المشعل النضالي وتنادي بضرورة الاستجابة للمطالب الطلابية وتحقيقها ، وإن كانت تستحوذ على جلها المطامع الشخصية المتمثلة في رغبة فرد في الحصول على ورقة وطلب ما يتمثل على تلك الورقة من دعم مادي ومعنوي ، في الوقت الذي تنتهي فيه السنة وتبدأ السنة الجديدة وتموت هي الأخرى دون أي نشاط له ،
فكما أن تخوف الحكومة من تسيس الصرح الأكاديمي وسعيها إلى كسر كل تكتل نقابي تحركه أهداف السياسيين واقع ، فشأن الكثير من النقابات في الضعف وشبه الإعدام واللاوجود واقع أيضا ، لكن هل يسمح ذلك بالتغاضي عن النقابات واعتبارهم غير موجودين؟ وعدم الاعتراف بمجهود الموجود بشكل فعلي؟
لكي نكون موضوعين وصادقين مع ذواتنا يجب أن ننطلق من اعتقاد ضروري يغيب عن معظم الناس والمناضلين ، يتمثل هذا الاعتقاد في ضرورة وعيّ "أن الدولة ليست عدوة للرأي النقابي والسياسي المناوئ أو المعارض لها" وإلا لما  رخصت وسمحت لمن تعتبره معارضا بالعمل والنضال في حيز اجتماعي تديره .
فعلى ذلك الأساس فإن النضال والسعي إلا تحقيق مطالب معينة يندرج بشكل أو بآخر في إطار المصلحة العمومية لكل الناس ولجميع الطوائف ،
فعلى  النقابات جميعا دون تميز أخذ هذا الاعتبار في حسبانها والعمل بمقتضاه ، ومن ثم يمكن أن نتقل إلى أهم العوائق ـ التي تعتبر حسب الفقه النضالي محفزات ـ ويعتبرها الآخرون الصعوبات التي تعاني منها النقابات .
منذ نصف العام المنصرم والنقابات الطلابية تعاني نكسة حقيقة بفعل سياسات الحكومة المجحفة في حقها أو المناقضة لما كانت تتطلع له النقابات بوصفها كانت تهدف إلى تحقيق أمور معينة تتمثل في تعميم المنح وتطوير الخدمات الجامعية وأدوات ووسائل التحصيل المعرفي الجامعي ، بتوفير مكتبات نموذجية لتسهل على الطالب الباحث بعضا من عناء البحث وصعوبته ، وبشكل مفاجئ تم الانتقال إلى الصرح الجامعي الجديد مما جعل تلك المساعي تتبخر ويُتحتم السعي في أهداف أخرى كانت بعيدة عن الحسبان والمتوقع.  
وبشكل عام فإنه بعد انتقال بعضا من الكليات إلى مبنى الجامعة الجديدة فإن معظم المطالب الطلابية تتمثل في :
القضاء على مشكلة النقل حيث أن هذه المشكلة تعتبر من أكبر وأعمق المشاكل التي واجهت الطلاب في البلد ولم تكن هذه المشكلة مطروحة قبل انتقال الكليات إلى المركب الجامعي الجديد مع ان جميع الطلاب وجميع النقابات تعترف بأهمية هذه المنشأة الأكاديمية   إلا أن واقع ومستقبل النقل فيها يفتح باب التشكيك والتريب واسعا في عقل النقابي الذي كان قبل ذلك يتطلع ويتكلم عن أهداف تتعلق بتعميم المنح وتحسين من خدمات المطعم وأشياء تبدوا كمالية بالمقارنة مع هذا الوضع الحالي ، علما ان مشكلة النقل إذا لم تحل في هذه السنة سيكون صداها أكبر بكثير في السنوات المقبلة وبالخصوص عندما تتحول كلية العلوم الاقتصادية والقانونية إلى مركبها الذي تجري أشغال البناء فيه الآن .
بالإضافة إلى النقل ومشكلته المريرة هناك مشكلة المطعم الجامعي من حيث حدودية خدماته وقلة سعته الآنية ، في وقت بات من اللازم إصلاحه وتكثيف العمل فيه وتوسيع طاقته الاستيعابية ، ذلك ان وضع المطعم قبل بناء الكليات الجديدة والانتقال إليهم لا ينبغي أن يظل عليه اليوم ، فهذه أرض خلاء والإقبال على المطعم أخذ يتسع وسيتسع في الأيام والسنوات المقبلة ، ويجب العمل على تحسين خدماته والتوسيع من حدود طاقته الاستيعابية.
وبالأخذ في الاعتبار المكانة الجغرافية للمركب الجديد وعزلته ، يتوجب على القائمين على تسير وتجهيز الكليات هناك السعي في بناء وتوفير مكتبة شاملة تعوض عن تنقل الطالب في المكتبات المتواجدة في المدينة قبل رحيل الكليات هناك ، فهذا كذلك امر ضروري في تلبية المطالب الطلابية وفي تجهيز الصرح الأكاديمي بأسلوب مرغوب فيه ومتكامل نوعا ما .
هذا فضلا عن مشكل السكن الذي يبدو أنه لن ولم يحسم بعد ، خصوصا إذا ما علمنا حسب كلام وزير التعليم العالي أن السكن الجامعي يتكون من 2600 وحدة سكنية في كل وحدة فردين وهو ما يعني أن 5200 طالب فقط هم من سيحظون بسكن في الحي الجامعي والبقية ستواصل المشوار بنفس الطريقة التي تبدو بها الأمور الآن ، وهو وضع يجب أن ينظر إما بتوفير النقل بالشكل المطلوب أو توفير السكن بشكل كامل وكلي .
وتجدر هنا الإشارة والحديث عن تعاطي الإدارات الخدمية مع الطالب النقابي يسعى لمصلحة الطالب بشكل عام ، ونقول ان تعاطي الإدارات مع الطلاب يبقى محدودا نوعا ما ويشوبه الكثير من الحذر والالتباس ، وهو وضع لا يجب أن تبنى عليه العلاقة التي تربط النقابي بمن يقوم على الإدارة في الكليات ،لأن الهدف هو المصلحة العامة والنهوض بالصرح العلمي والأكاديمي ، ومادام هذا هو الهدف ، فالأيادي يجب أن تظل مبسوطة للحوار وللنقاش وللتعاطي والأخذ والرد بعيدا عن أي تموقع إذا ما تعلق الأمر بهذه المصلحة ، يضاف إلى ذلك الالتباس قصور الكليات عن تنظيم مباريات رياضية بينهم وأماسي تكون برعايتهم بالإضافة إلى تخلي الجامعة منذ إنشائها حتى الآن عن تنظيم حفلات التخرج وتكريم المتفوقين على حسابها ، ويبقى العبء منذ القديم على الطالب دون أي نية للتغير أو الإصلاح .
إن وضع التعليم يحتاج إلى عودة بنية إصلاح جذري ، وليس هذا المنحى الذي يجب الكلام فيه "السابق" والسكوت عن الجوانب الأخرى المتعلقة بالمناهج والأساتذة المعتمدين في الكليات للتدريس ، فمعروف أن معظم من يدرس رسميا في الجامعة من الجيل القديم ليست لديه الدكتوراه وإنما يعمل بالماجستير والدكتوراه الدرجة الأولى أو الثانية وهو وضع يجب النظر فيه ، بالإضافة إلى كون العناصر والوحدات التي يتم اعتمادها مراعاة لرغبة الأستاذ وسعيا لإدماج أشخاص في التعليم العالي بوسيلة أو بأخرى دون أن يكون للعنصر علاقة بالتخصص أو الوحدة بالإضافة إلا ان الأستاذ في جامعة نواكشوط يحاضر في موضوع دون أن يكون في اختصاصه أو أن 
يكون لديه بحث متعلق فيه وهذا امر غريب على العادات المعترف بها دوليا وإقليما ، وهو أيضا أمر يحتاج النظر والإصلاح فيه 
.

باب سيد أحمد لعلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق