الخميس، 11 يناير 2024

المعهد التربوي الوطني: منعطف بين إدارتين( مقال)

قبل سبع سنوات وسبعة أشهر قرر مجلس الوزراء تكليف مدير جديد بتسيير شؤون المعهد التربوي الوطني؛ و ماكان هذا المدير إلا تلك الشخصية التربوية النادرة، والرجل الإداري المميز. لقد كان هذا التكليف في ظرف استثنائي بالغ الحساسية إذ كان هذا البيت التربوي العتيق في فترة سبات مردها الإهمال الذي طاله حتى وصل الأمر ببعض المدبرين للشأن التربوي أن طالبوا بإغلاقه وطمس آثاره في عداوة ظاهرة للعلم والمعرفة، ومعانقة قبيحة للجهل والفشل، فلا يعقل أن يستقيم عمود التعليم دون كتاب ناضج التأليف، ولا وجود لذلك في غير بيئته الفطرية التي يتبلور فيها ويتشكل ثم يولد وينضج؛ ولا يمكن لعاقل حتى وإن جهل أبجديات التربية والتعليم أن يتصور حصول ذلك في بيئة غير المعهد التربوي الوطني؛ لما يكتنز من طاقات التصور والإنتاج والتأليف والطباعة والنشر والمتابعة والمراجعة.. لقد كانت الأذرع الجهوية الضرورية لهذه المؤسسة الحيوية في هذه الفترة المظلمة عبارة عن أطلال لم تهيج أخيلة شاعر لأنها وجدت في زمن حديث الدرهم وصمت الكلمة، لكن هذا الأب المدير عمل على إعادة الروح والنشاط لهذه القلعة التربوية الحصينة بأهميتها وقيمتها عند ذووي الألباب والبصائر فكان صبورا هادئا، زارعا بعون الله معالي الأمور في نفوس طاقمه، تجاوز ونصح، وجه وأرشد، تبصر وتريث، كتم الغيظ؛ فنجا من خطر الوشاة، المقتاتين على تتبع العورات والعثرات، المنتفعين ظلما من كل ماهو غاد وآت. ولأن تعقل الإنسان وحلمه وأناته أمور لا تنكشف إلا عند الأزمات وارتداد الصدمات؛ ظهرت شخصية الرجل الهادئة دون إخلال، المتبصرة دون إهمال، فكان نعم المدير لمؤسسة بحجم وزارة، طاقما، ومسؤولية، وهنا مربط الفرس، وربع عزة.. وفي سبيل نوال الحقوق حاول المدير العام جاهدا إنصاف المديرين الجهويين ورفع الظلم عنهم في رواتبهم المتمثل في عدم حصولهم على نسبة 56% من راتبهم الشهري؛ إذ لا يتقاضون في الوقت الحالي أكثر من 44% من هذا الراتب الذي هو أحق المستحق، فهو المكافأة المالية المنصوصة في المرسوم رقم 106 الصادر سنة 1993 !! وللتذكير فإن هذه المشكلة ناتجة عن خطإ إجرائي سابق لم يصحح لحد الساعة؛ رغم جهود المدير العام المنصرف الذي بذل جهودا كبيرة أثمرت تفاعلا تاما من الوصايتين المالية والفنية أشفعت بمراسلات كان آخرها محضر لمجلس إدارة المعهد التربوي بخصوص تفاصيل هذه المكافآت التي وقع فيها هذا الخطأ. وفي مجال الرقابة والتفتيش حطت المفتشية العامة للدولة رحال خيرة المفتشين الشباب عندها وأمضوا فترة انتداب للتفتيش والتدقيق حددت بستة أشهر وزادوا عليها قرابة ستين يوما دون أن يجدوا ما يعكر صفو التسيير عندهم، وإنها لعملية تبطن شهادة بنزاهة المؤسسة؛ إذ لم يعهد أصلا أن يحصل التفتيش والمساءلة المالية في اغلب المؤسسات إلا وتبعتها اعتقالات وتجريد أو حبس وتفاهمات .. وكان مما يلزم أن تكرم هذه المؤسسة العتيقة بسد الثغرات وإكمال النواقص تشجيعا لها لمواصلة النهج القويم؛ فينصف من يعاني خللا في الراتب، وتستحدث ميزانيات جهوية؛ والتي كان عدم وجودها من الملاحظات السلبية وإن بصبغة شكلية؛ ثم تقتنى سيارات للخدمة لكون الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسة وممثلياتها في الداخل تتوقف على حمل المتاع وأي متاع، إنه أعز محمول وأفيد منقول، إنه المدرس الصامت، الكتاب المدرسي، الذي من خلاله نحدد ملامح الشخصية الإيجابية التي نريد، وبوصول محتواه إلى ذهن التلميذ تنجح أهداف المنظومة التربوية؛ إذا الخلل في من يقيم الأمور، ويوصل الحقوق، وليس في مكمن القيمة ولا في مكتنز العز والجدوائية. ونحن إذ نودع المدير العام السابق نستقبل في ذات الوقت المديرة العامة الجديدة الدكتورة الشابة التي نرجو لها كل التوفيق؛ فلإن كان المدير السابق كما اسلفنا بحق وحقيقة قامة تربوية رفيعة، وشخصية إدارية عميقة، فإن المديرة العامة الجديدة، الدكتورة، النشطة، كما يقول العارفون بها؛ كفاءة علمية، وشخصية شبابية محورية في التأثير بشهادة وطنية، وأجنبية؛ يتضح من أي حوار خاطف معها أنها ذات بديهة مركزة وكياسة محمودة، نرجو أن يكون لها كل ذلك دعامة معينة على تدبير وتسيير شؤون هذا المرفق التربوي الهام والمحوري.. والله من وراء القصد وهو سبحانه وحده الهادي إلى سبيل الرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق