الأحد، 27 يوليو 2014

لماذا وزارة الدولة ... للفساد؟ (الحلقة الخامسة) / عثمان جدو

لقد شهدت المنظومة التربوية جملة من التحولات , تارة باسم التغيير وتارة باسم الإصلاح , وتعددت الإصلاحات والإلغاءات بفعل تعدد واختلاف المشارب الفكرية والرؤى للمسئولين عن هذا الحقل المتعاقبين عليه تعاقب الحكومات والسلط , لكن الطابع العام لهذه التغييرات والإصلاحات  هو تسفيه السابق وتزكية الحاضر حتى قبل تحقيق أبسط إنجاز , وإنما من باب { كل ما دخلت أمة لعنت أختها } وانطلاقا من قاعدة ـ  كل قرن يسخر من سابقه ...!! , متذرعين دوما بالشعارات والتراكمات وإطلاق إعلانات مفادها أن البداية حانت مع فتح صفحة جديدة طابعها الإصلاح والتميز , وتجاوز تلك التراكمات والسعي دوما إلى كسب الوقت والتطبيل الإعلامي من خلال إلغاء كامل اللوم على السابقين ورد كل العوائق والإخفاقات إلى تقصيرهم وفسادهم , لكن الزمن لا يرحم  المتهاونين ولا يستر المقصرين محدودي الرؤية . ومع أننا إذا تجاوزنا كل تلك الشعارات وإلغاء التهم ومختلف أنواع الاستهلاك الأخرى  , سنجد أن الضحية دوما هو المواطن الذي ينتظر العطاء والخدمة من هذا المرفق أو ذاك , وكذا الحال بالنسبة للموظف الدائم في القطاع والذي يتأثر دوما بهذه السياسات , التي تعيده تارة إلى الوراء وتكبله وتشل حركة عطائه تارة أخرى , وبين هذا وذاك يضيع الوقت والجهد والعمر ومقدرات الدولة . وأخلص هنا إلى مثال بسيط يجسد بعض ما نقول ويتجلى في ضحية كبرى من ضحايا هذه الإصلاحات المتكررة وما يرافقها من شعارات , فمثلا  توجد الآن مجموعة كبيرة من أساتذة التعليم الثانوي (أساتذة المواد العلمية أصحاب الشهادات باللغة العربية) أقصتهم الوزارة تماما من مشهد التأثير التربوي , نظرا لكون المواد التي كانوا يدرسونها باللغة العربية وهي لغة التخصص بالنسبة لهم أصبحت تدرس باللغة الأخرى ـ الفرنسية ـ مما جعلهم غير قادرين على التواصل مع التلاميذ نظرا للتحول السريع في وجهة القطاع التابع دوما لأمزجة السياسيين الذين لا يفقهون كثيرا في مجال التربية , الذي يقتضي الإبداع فيه والتفوق التركيز على الدراسة باللغة الأم  دون وجود قيود لغوية تنضاف إلى قيود المواد العلمية التي يصعب اكتسابها أحيانا . وطبعا يستعان دوما في هذا المجال وهذه الإصلاحات بخبراء قد لا تنقصهم الخبرة والمعرفة الأكاديمية بقدر ما تنقصهم المهنية والابتعاد عن مجاملات الساسة والسعي وراء أمزجتهم التي تتغير بتغير ولائهم السياسي وأكثر , ولقد سبق وأن طالب هؤلاء الأساتذة بتكوين يمكنهم من التعاطي مع التلاميذ واقترحوا لذلك سنة على الأقل , لكن الوزارة عرضت عليهم تكوين لمدة مائة ساعة فقط , أبالله عليكم هل تكتسب لغة أي كانت في هذه الفترة الوجيزة ؟ , أحرى أن ينتظر من مكتسبها في هذه الفترة أن يكون مدرسا متمكنا محاضرا أمام تلاميذه الذين ينتظر منهم حمل مشعل التنمية في البلاد ,  إنما هو نوع من أنواع اللامبالاة واستهلاك الوقت والعمل على الأفق الضيق والأمد القريب دون بذل الجهد الأكبر ودون مراعاة حقوق الأجيال القادمة . إن المتتبع للعالم اليوم يدرك أن أمما رسمت طريقا واضحا نحو النجاح وحققت طفرات صناعية وتكنولوجية كبرى بالاعتماد على لغاتها الأم التي لا يختلف  اثنان على تعقيدها (الصين . اليابان . روسيا . إيران ....إلخ ) . وطبعا خريجي الجامعات العربية من أطرنا خير دليل على أن اللغة العربية لم تقف ولن تقف عائقا أمام التحصيل , فالدكاترة والمهندسين خريجي جامعات سوريا والأردن والعراق  موجودون في الوطن ومتميزون جدا سواء في مجال الطب أو الاتصالات أو في المجالات الأخرى . وأعرج هنا في الأخير إلى ظاهرة مقيتة تطغى على مختلف إدارات الوزارة تتمثل في الضعف الواضح لتعاطي موظفيها مع التكنولوجيا الجديدة والتي أصبحت هي المقياس الحقيقي للأمية , فلا يخفى عليك وللوهلة الأولى عجز هؤلاء الموظفين عن مواكبة السرعة المطلوبة للتعامل مع شبكة المعلوماتية ويكفي للإطلاع على ذلك الدخول إلى بعض المكاتب الموجودة في الوزارة لتكتشف بأم  عينك أن هؤلاء الموظفين لا يصلحون لما أسند إليهم , وقد يستغرق أحدهم لفتح حافظة على مكتب الحاسوب أمامه بضع دقائق , أما كتابة المعلومات وتدوين الملاحظات فحدث ولا حرج , هذا مع إفساد مشين لأسماء الوسائط والبرامج المستخدمة  مع البط ء  الشديد في سحب المعلومات والوثائق التي ينتظم زوار الوزارة في انتظارها . إلى متى الاحتفاظ بهذا النوع من الأشخاص المعيقين لحركة التنمية وجودة العطاء وانسيابية العمل في أماكن لا يستحقونها ؟ يتواصل بإذن الله لكن إلى حين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق