الاثنين، 27 أكتوبر 2025
نكبة المفسدين/ عثمان جدو (مقال)
في هذه البلاد التي حباها الله بأنواع الخيرات وجعلها دولة قليل سكانها، كثير
وعاظها، وعلماءها، وصلحاءها، فلكثرة دعاة الفضيلة والمثالية في بلادنا تظننا
نحتكر الأخلاق ونصنع مفاتيحها، ومع ذلك تنفجر فينا بين الفينة والأخرى ملفات
فساد رهيبة؛ تكاد تكون هي الأخرى لنا خصوصية تعريفية في الجانب السلبي.
في الفترات الأخيرة أصبح جُلُّ موظفينا يبحثون من اليوم الأول بعد الترقية أو
التعيين عن المزايا والمنافع الشخصية فيطغى ذلك على أداء المهام الموكلة إليهم،
وطبعا تذهب المصلحة العامة أدراج الرياح، إذ لا بواكي لها من هؤلاء وليس لها
منهم من مدافع ولا صائن.
لقد امتاز المفسدون في بلادنا بالنهم في جمع المال غير المشروع؛ فأساؤوا استخدام
السلطة لذلك، وزوّرا، وأخفوا، وحرّفوا، وتحايلوا، ولفقوا؛ كل ذلك من أجل منافع
شخصية غالبا لم تكن لضرورة البقاء على قيد الحياة، سواء من فاقة أو لمواجهة
تحديات داء عضال؛ بل كانت للإيغال في إظهار الفجور وزرعه في الأجيال،
ولعلك وأنت تقرأ هذه السطور تمر بك فتاة في عمر الزهور تعتلي أخر صيحات
السيارات دون أن يُعرف لها شغل مع العلم أن أهلها لم يعرفوا أيضا بالثراء المباح
أو حتى المشبوه، والحال هذه في المراهقين وإن كانت بوتيرة أقل.
إن الملاحظ العابر غير المتتبع الدائم لما يشاهد في مناسباتنا الاجتماعية سيُبهت
لفرط التبذير، والسفور، والفجور الذي تغذيه المنهوبات والمسروقات المفوترة،
يستوي في ذلك الغني والفقير، الحكيم ادعاء، والرزين تمظهرا، وخلافهما من
شياطين الإنس الذين أصبح سلوكهم يفاجئ شيوخ الجان ومردة الشياطين.
لا شك أن هذه المظاهر المشينة هي التي تشكل في الغالب عامل ضغط على
متصدري المشهد الوطني سياسيا واجتماعيا؛ فتدفعهم لفرط ضعف شخصية أغلبهم
إلى محاكاة مزاج ذوات الميول الباذخ، وجُلاسهم من المخنثين، ومن كان لهم رديفا
ومزاحما من أشباههم، وهنا تنهب المليارات لمواكبة تلك السهرات واقتناء الفلل
والعمارات في الداخل والخارج، ومنح الأعطيات من السارق الجريء للكسول الذي
لا يعمل إلا على هدم الأخلاق، وتغدية أدران الرذيلة، والسفور والفجور ... ترى
إلى أين نسير بهذا المجتمع الذي كان قبل هؤلاء وديعا صافيا ملتزما؟؟؟
إن هذا المجتمع الذي حولته المادة إلى مجتمع آخر غير الذي كنا نعرف لابد له من
صحوة كبرى، شاملة بدءا بمراجعة مسار التعليم في كل القطاعات المعنية بحثا عن
التأثير الإيجابي، والنتيجة المفيدة، والمضمونة، صحوة توجه هذا الفلتان الذي بدأت
تعكسه مرآة التطبيقات التواصلية في صورته القذرة.
ولا بد لهذه الصحوة التي نريد أن تكون قادرة على تجفيف منابع المخدرات، واعية
لخطورتها التي تسللت مع روائحها إلى كثير من البيوت في تغافل مجتمعي لا يبشر
بخير.
إننا إذ نسطر هذه الكلمات التي نرجو أن تتنزل في محاربة الفساد في شقيه المادي
والمعنوي؛ لا يمكن أن نتجاوز ما حصل في آخر اجتماع للحكومة، والتوجه الحازم
الذي أظهره صاحب الفخامة بعد أن أطمأن المجرمون المفسدون وظنوا أنهم
قادرون على الاستمرار في تخريبهم دون محاسبه؛ فأتاهم خبر الإقالة في ضربة
قاضية؛ تؤسس لما بعدما... فإما أن نجعلها فتكة بكرا موقعة بالفساد، تتبعها أخواتها
تعتلي رقاب كل من خانوا الأمانة، وإما أن نفرغها من محتواها الإيجابي الذي
شحنها به فخامة رئيس الجمهورية عندما أوقعت بثلاثين رأسا كبيرة؛ أينعت فقطفت
في الوقت المناسب دون تردد، دعونا ندعم هذه الخطوة المباركة في سبيل إرساء
محاربة الفساد والمفسدين حقيقة وحكما من خلال عدم الوقوف أو المساندة لأي من
الذين طالتهم هذه الشبهات حتى نتبين حكم القضاء فيهم، فمن برأته العدالة لا ضير
في مساندته والذود عنه في استرجاع كرامته التي فرط هو فيها حينما عرضها
للشبهات، ومن حكم عليه بالوقائع المجرمة علينا أن لا نلين له ولا نتعاطف وإن كان
من أعز الإخوان وأقرب الخلان، فمن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
