الجمعة، 8 نوفمبر 2024
تبصرة حول الأحداث التربوية خلال 100 يوم الماضية
لم يكن افتتاح السنة الدراسية الحالية 2024/2025كسابقيه في السنوات القليلة الماضية؛ على الأقل من ناحية الإجراءات الشكلية، وإن اتحدوا كثيرا من المقاصد والأهداف؛
ففي السنوات الأربع الماضية كانت أحداث الافتتاح تجري بإشراف ميداني مباشر من فخامة رئيس الجمهورية في حفل افتتاح مشهود يكرم فيه علنا مع كامل التوثيق المتفوقون في كل سنة منصرمة ولذلك ماله من دفع معنوي واعتبارات تفضيلية.
قد لا يكون الدعم المعنوي قد تراجع حقيقة وإن اختفت بعض مظاهره ضرورة أو تغييرا للنهج الإجرائي بعيدا عن الروتين الذي قد يُملُّ مع دوام الاجترار الذي يحيل إلى سرمدية التكرار.
لقد شهدت المائة يوم الأولى للفريق الحكومي الأول فيالمأمورية الثانية لفخامة رئيس الجمهورية والتي شملت شهر الافتتاح لهذه السنة الدراسية جملة من القرارات، كان لصداها التأثير البالغ على العلاقة التفاعلية بين وزارة التربية ونقابات التعليم، وطبعا ينعكس ذلك سلبا أو إيجابا على الساحة التربوية، ربما بعثا لرياح تشتهى، أو تحريكالمياه يخشى عليها ركودا يفسدها، تمثلا لقول الإمام: إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب.
وربما إحداثا لمعيقات واتباعا لمسارات، مطاردة لحقوق ضائعة، أو فرضا لمطالبات وجيهة، كل ذلك حسب مسوغات السالكين.
لا شك أن المضي قدما في تطبيق حيثيات القانون التوجيهي كان هو السمة الغالبة في هذه الفترة قيد الحديث، فالاستمرار التدريجي في احتواء الابتدائية في المدارس النظامية، وتوحيد الزي المدرسي، وتدريس المواد العلمية باللغة العربية في الابتدائية؛ بوصفها اللغة الأم الجامعة والمصانة دستوريا، بالإضافة إلى تنظيم توزيع الأشخاص على عموم التراب الوطني، كل ذلك عُدَّ في صميم الإيجابيات الحاصلة رغم ما تولد عنه من تبعات يستدعى بعضهاالمواكبة بمعالجة جادة سريعة منصفة؛
فلقد تولد عن حصر الابتدائية في المدارس النظامية وجود اكتظاظ غير مسبوق مما أرغم بعض المناطق على اعتماد التناوب بين الدوام الصباحي والمسائي بالإضافة إلى زيادة أعداد التلاميذ في كثير من الفصول وهو لا شك حدث يتطلب تدخلا سريعا وحلا نهائيا كي لا نقتل جودة التعليم بالتعايش مع الاكتظاظ، فمن الضرورة الملحة؛ العمل بمنتهىالتركيز على إيجاد البنية العمرانية القادرة على احتضان كل التلاميذ وفق المعايير التربوية التي تضمن جودة التعليم.
ثم إن فرض الزي المدرسي أنتج مظهرا تربويا مهما تنمحي معه الفوارق بصريا على الأقل وهذا شيء إيجابي لكنه مازال بحاجة إلى توفير التغطية الشاملة بتوفيره كليا للطبقات المتعففة وإلزام القادرين على اقتنائه فورا، وعدم التساهل مع التأخر الملاحظ في بعض المناطق.
ومما لا شك فيه أن تدريس المواد العلمية في الابتدائية باللغة العربية سيكون له ما بعده من القدرة الفورية على استيعاب المعلومات شريطة توفير كتب هذه المواد في الوقت المناسب؛ والذي يسجل عنه الآن تأخر كتاب الرياضيات للسنة الرابعة ابتدائية الذي تقرر تدريسه هذه السنة باللغة العربية؛ والأكيد أن التأخر حصل بسبب مقتضيات فنية ضرورية تم تجاوزهافيما بعد وصولا إلى مرحلة الطباعة.
ولا يقل أهمية عن هذه النقاط آنفة الذكر ما حصل بخصوص توزيع الأشخاص وإن كان قد تسبب بموجة سخط عارمة داخل الأوساط النقابية فهل لذلك ما يبرره حقيقة وحكما دون مزايدة؟.
أما بخصوص الحراك النقابي فيمكن تتبعه من خلال بعدين يمثل أحدهما الواقعية والآخر نقيضها أو على الأقل المبالغة في غير محلها تماما..
-المطالب الواقعية:
فيمكن اعتبار مطالب من قبيل زيادة الرواتب وتحسين العلاوات مطلبا مشروعا تفرضه الضرورة المتجددة بفعل ارتفاع الأسعار المتنامي مع بزوغ شمس كل يوم، وتشعب الأعباء الاجتماعية الطارئة؛
ثم تأتي بعد ذلك وجاهة طلب اكتتاب مقدمي الخدمات بشكل يؤول إلى الترسيم، فحاجة القطاع إليهم ماسة، واستعدادهم للعمل الجاد ظاهر تماما؛
ويَتبع ذلك أهمية؛ ضرورة توفير سكن للمدرسين الذي يعبر عنه كثير من مقدمي هذا الطلب بضرورة الحصول على القطع الأرضية، وحق لهم ذلك، ولا نقلل من قيمته في استدرار عطاء المدرسين، لكننا نرى أن هناك إجراء قد يكون بديلا حين العجز عن توفير القطع الأرضية، وقد يكون مكملا لها مع القدرة؛ ألا وهو بناء سكن اجتماعي للمدرسين، وهنا لا نقترحه بالشكل الذي يكون مجمعا في مكان واحد داخل المدينة الواحدة؛ بل نرى أنه من الجدوائية التي تعينها قابلية التنفيذ، أن يكون ضمن كل مدرسة ابتدائية على الأقل سكن للمدير فوقه مباشرة سكن للمدرسين على الأقل لاحتوائهم بشكل فردي؛ فغالبا يكون المدرس يعمل بعيدا عن أسرته،وتتولد لديه أعباء السكن والنقل التي تخصص لها علاوة كجزء من الراتب لكنها لاتصل حد الإجزاء.
ومن الملاحظ أن سكن مدير المدرسة أصبح مضمنا في الأشكال المدرسية الجديدة، لكن علينا التفكير في حل مشكلة السكن للطاقم ككل بتوفير سكن مدرسي للجميع وبه نكون وفرنا عليهم تكاليف النقل اليومي.
ومن المطالب المطروحة ذات الوجاهة العالية؛ قيدوم المطالب (نظام الأسلاك) الذي من شأن تفعيله إحداث تنظيم وتثمين لمهنة التدريس وجعلها جاذبة أكثر لكل الكفاءات التربوية والفكرية والعلمية.
-مطالب مبالغ فيها:
هناك مطلبان أساسيان عند النقابات؛ أرى أنهما مبالغ فيهما ولو قليلا، وطبعا لن يتفق ما سأذهب إليه هنا مع قناعة أو تصور كثيرين خاصة المتضررين؛ فكما لا يستسلم المنتفع سريعا عند مواجهة روافد انتفاعه فإن المتضرر لا يقتنع سريعا بعدالة مكمن الضرر الذي لحق به، وللأمرين علاقة كبيرة بهيجان العاطفة التي تلعب دورا كبيرا في تحديد متجه الأحداث ذات الصبغة الشخصية، ونادرا ما يشكل ذلك اتحادا مع الإنصاف.
المطلب الأول يتمثل في طلب إرجاع المدرسين المزدوجين إلى أماكن عملهم السابقة؛ وطبعا قد يكون الإجراء قاسٍ جدا لمن كان يخدم عقدين من الزمن مثلا في ولاية معينة، أو كان من الذين انهوا توا الوفاء بتسديد متأخرات تكاليف التبادل التي كلفته كلفة مالية كبيرة فوجد نفسه يعود أبعد من المكان الذي صرف في السابق أموالا طائلة للتحويل عنهّ!.. قد يحصل هذا؛ بل الأكيد أنه حصل؛ لكن وبعيدا عن العاطفة هل هذا مخالف للقانون المنظم لعلاقة الموظف مع جهة التشغيل؟ وهل بمجرد هذا التحويل يقع التعسف؟؛ خاصة إذا كانت جهة التشغيل أي الوزارة تدعي أنها وضعت معايير ثابتة بناء على الحاجة إلى إعادة توزيع المدرسين من أجل خلق توازن تام في انتشار الكادر البشري، وحددت لذلك محددات ثم طبقت الإجراء على جماعات وليس على أفراد، وبعد ذلك طلبت كل من ترجح عنده أنه ظلم معياريا أن يرفع تظلمه مشفوعا بالدلائل؛ وأظهرت استعدادا تاما للتراجع؛ التزاما بالحق متى ما ظهر!! أظن أن الحجة لا تغلبها إلى الحجة،والبرهان لا يقهره إلا البرهان، وبالدليل يستساغ التعليل.
المطلب الثاني هو رفض ما يسمى ب (5+2) وهنا تطرح الأسئلة التالية نفسها:
هل خرج هذا الإجراء عن روح القانون المنظم للعلاقة بين الوزارة والمدرسين؟
هل في هذا الإجراء تجاوز للحد الزمني المحدد في أصل الالتزام الوظيفي مقابل التشغيل؟
هل من المنصف أن يكون مدرس السنة الأولى ابتدائية يدرس ثلاثين ساعة دون ضجر وإذا درسها غيره حتى لقسمين مختلفين كان ذلك جائرا؟
أظن أنه في ظل الحاجة للتغطية التربوية يبقى الإجراء في ظل القانون؛ لكن المطلوب أن تخصص له علاوة مجزية وأقول مجزية وليست رمزية؛ أي بمعنى أن تعلن عنها الوزارة في أسرع وقت ممكن وتكون في حد ذاتها مغرية، تَسدُ الحاجة إلى الفراغ الذي يُبحث عنه لمطاردة ساعات إضافية في فضاءات موازية، وحبذا لو كانت هذه العلاوة توازي أو تنافس؛ بل تتجاوز علاوة الطبشور.
وفي الأخير يبقى الهم التربوي شُغل الجميع الذي لا غنى فيه عن التلاقي الإيجابي بين الوزارة والنقابات، وبذل كل الجهود وتقديم المحفزات والرضى بالتنازلات سبيلا إلى الوقوف على الجوامع الإيجابية والاتفاق عليها.
السبت، 5 أكتوبر 2024
الاثنين، 30 سبتمبر 2024
الأحد، 29 سبتمبر 2024
تعليقا على رحلة الكتاب المدرسي .. بين الهند والبنك الدولي والسوق السوداء
طالعت مقالا لأحد نشطاء الساحة التربوية الذين ألِفوا التدوين عن قضايا التعليم مؤخرا مشكورين.. ويبدو أن مطالعتي للمقال حصلت بعد يوم تام من نشره؛ ومع ذلك أجدني مدفوعا إلى التعليق على ما ورد فيه؛ إذ لم يصادف الحقيقة الصريحة عندي منه سوى الفقرة الأولى وجزئية من فقرة أخرى صرفت عن مقصدها، جهلا أو خطأ، الله أعلم؛ يسأل الكاتب عن ذلك!
وسأبين ذلك حتى يزول اللبس وتنكشف الحقيقة جلية؛ وما عليَّ بعدها إذا لم تفهم البقر..
إن حاجة بلادنا من الكتب حتى وإن وصل افتراضا إلى 6 ملايين كتاب كما تفضل كاتب المقال مع أنه أعاد نفس الكلمات التي قالها أحد ملاك الطابعات الخاصة في الورشة المعدة حول توزيع الكتاب المدرسي بداية الأسبوع الذي كتب فيه مقاله؛ وهي لم تصدر عن جهة رسمية معنية بالتصور ووضع الاستراتيجيات، بل هي صادرة عن مستفيد محتمل يبحث عن موطئ قدم في هذا المجال، وهنا ننبه تنبيها منطلقه الميدان؛ أن اقتناء الكتب والإقبال عليها مازال ضعيفا، وسنوضح ذلك بالمثال الواضح إزالة للبس والإشكال؛ ففي العام الدراسي الماضي تم ضخ ما يزيد على مليون وسبعمائة كتاب بالإضافة المخزون المتبقي من العام قبل ذلك؛ لكن الإشكال الذي ظل قائما ليس قلة هذه الكميات مع الحاجة الكبيرة؛ بل كان عدم اقتناء هذه الكتب والبحث عن بعض العناوين المفقودة أصلا أو القليلة بفعل عدم طباعة العدد الكافي منها الذي هو السمة الغالبة، ومع أننا نطالب دائما بتوفير الحاجة من الكتب بناء على إحصائيات التلاميذ المقدمة من طرف إدارة البرمجة و الاستراتيجيات فإن وزراء التهذيب في الفترات الماضية كانوا يُلزمون إدارة المعهد التربوي حينها بالتركيز على سنوات المدرسة الجمهورية قبل أي مستويات أخرى، فمثلا الكميات التي وزعت العام الماضي والتي تجاوزت مليون وسبعمائة كتاب كان ما يزيد على مليون كتاب منها للسنة الأولى والثانية فقط، نفس الحال تقريبا سيقع مع الكميات الموجودة في الهند والتي تتجاوز مليونين ومائتي ألف كتاب،إذ الكمية الكبيرة منها مخصصة للسنة الأولى والثانية والثالثة ابتدائية مع إشراك السنوات الأخرى بنسب أقل، إذن نحن أمام تنفيذ إلزامي لاستراتيجية حكومية تقتضي تركيز الجهود أولا على تغطية الحاجة من الكتب لسنوات المدرسة الجمهورية وننتقل بذلك رويدا رويدا إلى كل سنة تنضاف إلى سنوات المدرسة الجمهورية.وعلى ذكر الهنود والطباعة والشهادة لله؛ وكلٌ ستكتب شهادته ويسأل، فإننا لم نشهد في السنوات الأخيرة في بلادنا طباعة أحسن من طباعتهم، مع دقتهم في المواعيد وتنظيمهم للتعبئة المحكم جدا، ولقد جربت قبلهم بسنة أي سنة 2021 الطباعة التونسية وكانت دون مستوى الطباعة الهندية بكثير، بالإضافة إلى عدم الدقة في المواعيد بل التأخر المخل، المفوت أحيانا لمسار سنة دراسية، أما عن الطباعة الخصوصية في بلادنا فإن الطاقة العملية لها لم تصل لحد الساعة إلى القدرة على الوفاء بطباعة الكتب بالجودة الكافية، وبالكميات المحددة؛ بدليل أن الصفقة الأخيرة قيد الإنجاز فاز بها أحد هؤلاء أولا ولم يستطع الوفاء بالمحدد فيها مما جعل الهنود يطعنون، وبالتالي هم فازوابطباعة الكتب لهذه السنة بعد تقديم طعن حكم على إثرهلصالحهم؛ إذن نحن لسنا أمام صفقة تراضي، ولا أخرى موجهة، بل نحن أمام شريك استطاع الوفاء بالمهام حسب الشروط المحددة وفي الوقت المتفق عليه، ولن يمنعنا اختلاف الملة ولا بعد الجغرافيا ولا أي عداوة سياسية إن وجدت من قول الحقيقة، والحقيقة فقط التي لن تحجب عندنا بمودة قريب أو محبة صديق..وفي الأخير وتعليقا على جزئية وجود الكتاب المدرسي فيالسوق السوداء أو السوق الموازية كما نسميها؛ فقد سال حبر كثير في ذلك وانتعش السجال في الماضي بما فيه تبيان المقال حول كل الدلائل والملابسات، وكشفت كل الحيل سواء في الحال أو بعد استقرار المآل، ومن أراد الاستزادة من ذلك فليرجع إلى المقالات المنشورة حوله، وما عليه إلى أن يبحث من خلال الكلمات التي تعتبر مفاتيح الموضوع، أو يسأل ملاك الطابعات الخصوصية فمنهم من لا يخفي سرا حول طباعة هذه الكتب، وهم معروفون بالإسم والصفة وتموقع المخازن واستجلاب الماكينات الكبيرة والأجهزةالخاصة لذلك والاستثمار فيه..
ختاما: نؤكد مع كامل الإلحاح في الطلب أن موضوع توفر الكتب المدرسية لن يجد الحل النهائي قبل اقتناء طابعة عصرية للمعهد التربوي يتحكم فيها وتتعهدها الجهات المعنية بالصيانة، ومن خلالها تغرق الأكشاك بالكتب وينتهي تدافع التهم والتربح على حساب التلاميذ؛ ومن المؤكد أن الطابعة المذكورة يمكن اقتناءها بتكاليف ثلاث صفقاتلاقتناء الكتب؛ تحصل أحيانا في سنتين متتاليتين..
الأربعاء، 25 سبتمبر 2024
الأربعاء، 18 سبتمبر 2024
الجمعة، 13 سبتمبر 2024
الاثنين، 26 أغسطس 2024
الثلاثاء، 30 يوليو 2024
الأحد، 14 يوليو 2024
التعليم يحتاج ثورة وليس مجرد إصلاح
من المتفق عليه عند جميع الشعوب والأمم أن التعليم هو قاطرة التنمية، وهو أساس البناء الحضاري، وهو شبكة الأمان، ومصعد النجاة، ومسرح التنافس وبساط التفاضل.
ومما لا شك فيه أن المتناوِل لموضوع التعليم تزداد كلماته قيمة بمعالجته لقضية أو قضايا لها صلة بالتعليم، وبهذا المنطلق نستعين بعد الله تبارك وتعالى في معالجتنا هذه لجملة من قضايا التعليم؛ نرى أن الكلام عنها مناسب الآن أكثر من أي وقت مضى، أو آخر آت؛
وسنحاول حصر هذه النقاط في أربعين وإن كانت مشكلاتالتعليم وقضاياه لا حصر لها في مقال ولا في كتاب، إنما هو فقط من قبيل التركيز على بعض النقاط التي نراها جوهرية في الوقت الحالي وبالتالي يلزم الحديث عنها وبسطها لعلَّ أو عسى.
ويمكن تقسيم هذه النقاط الأربعين إلى جزأين، الأول من عشر نقاط يمكن القول أنها شهدت انتعاشا أكثر في الخمس سنوات الماضية، والتي تمثل المأمورية الأولى لفخامة رئيس الجمهورية، أما الثلاثين الباقية فهي التي نرجو أن تكون مسرح الإنجاز في هذه المأمورية المطلة، وهي العهدة الرئاسية الثانية؛ والتي تبدأ فعليا بتنصيب فخامة الرئيس؛
الجزء الأول: مواطن الانتعاش؛ عشر نقاط
1- إعادة الاعتبار للغة العربية تدريسا على الأقل؛ من خلال إعادة تدريس المواد العلمية في المرحلة الابتدائية بها؛ وفق مقتضى القانون التوجيهي، وبالتالي إزالة القيود اللغوية التي عانى منها التلاميذ وهم مازالوا في مرحلة مبكرة من أعمارهم، وإن كان هناك مأخذ مازال قائما حول عدم موازاة هذه النقطة بالعمل الإداري باللغة العربية بوصفها اللغة الرسمية للبلاد، احتراما للدستور الموريتاني؛ الذي ينص على ذلك بشكل صريح في مادته السادسة، التي تحدد اللغات الوطنية وتنص على الرسمية منها.
2- دمج التعليم الخصوصي في التعليم العمومي بالنسبة لمرحلة الابتدائية؛ وهو المطلب الذي شكَّل شبه إجماع عند أغلب المهتمين بالشأن التربوي وعبروا عن ذلك كتابة ونطقا.
3- دمج اللغات الوطنية في المنظومة التربوية؛ وهو الإجراء المهم، والذي عبرنا سابقا عن جدوائيته في تلاقي مكونات الشعب الموريتاني، وأن تفاهمه النابع من الجلوس علىمقاعد الدرس سيكون أكثر تماسكا من المظاهر التي تبرزها المبادرات السياسية التي تنسج بالمجاملات التي لا تعكس بالضرورة صدق المشاعر.
4- معالجة الاكتظاظ في الأقسام إلى حد ما، من خلال تأهيل وتهيئة وزيادة وحدات البنية العمرانية.
5- تقليص المدارس الافتراضية (التي لا تمتلك العدد الكافي من التلاميذ) وهي التي ينتجها التقري العشوائي وتستنزف الطاقات البشرية لوزارة التهذيب.
6- مبدأ المكافأة وهو الذي حضر بشكل جيد ومشهود في الفترة الماضية من خلال تكريم الطواقم التربوية التي باشرت تدريس وتأطير التلاميذ المتفوقين في المسابقات الوطنية.
7- انتعاش العلاقة بين وزارة التهذيب ورابطة آباء التلاميذ؛ وهذا جيد جدا لكن يجب أن ينتشر ظله في كل زوايا الوطن؛حتى توجد له فائدة ومردودية تربوية شاملة.
8- توحيد الزي المدرسي، وهو القرار المهم؛ لما يمحو من مظاهر التباين الاجتماعي، وما يتبع ذلك من سلبية قد تعيق التحصيل العلمي في فترة الرعاية التربوية داخل أسوار المدرسة، ومع ذلك مازال توفير الزي يعاني من نواقص ومآخذ إجرائية سنفصلها في جانب النقاط والملاحظات المتعلقة بالنواقص.
9- دعم التغذية المدرسية؛ حدث ذلك من خلال زيادة عدد التلاميذ المستفيدين من الكفالات المدرسية، لكن ظل ذلك في ولايات ونقاط محددة.
10- التحسين النسبي من واقع المحيط التربوي، وهو الواقع الذي يؤثر بشكل قوي على النتائج التربوية؛ بل وعلى التعاطي التربوي قبل ذلك، فمن الملاحظ أن البرامج الاجتماعية التي تستهدف الطبقات ذات الأولوية، والمنجزة من طرف تآزر، كان لها الإسهام المباشر على تجاوز بعض العقبات والمخلفات؛ التي تعكر صفو المحيط التربوي، من خلال مخلفات الفقر والهشاشة وتبعات التفكك الأسري،وغياب السند العائلي المجدي، ومع ذلك فإن هذه التدخلات مازالت تحتاج الدقة في التوجيه، والشمولية في القصد، والشفافية في الإجراء.
-الجزء الثاني: مكامن النقص؛ ثلاثين نقطة
1- كثرة المواد المدرسة في المرحلة الابتدائية والثانوية
أ- الابتدائية: يجب تقليص المواد المدرَّسة بحيث تخف الأعباء على الأطفال الصغار مع التركيز على الأهداف، فمثلا من الأحسن أن نقتصر في السنوات الثلاث الأولى من الابتدائية على مادتي اللغة العربية بشكل مركز، والتربية الإسلامية بتركيز أخف ومحتوى أقل، ثم نبدأ إدخال المواد الأخرى من السنة الرابعة؛ خاصة اللغة الفرنسية والرياضيات، أما بقية المواد - التربية المدنية، والعلوم- فإن المحتوى المدرس منها في هذه السنوات الأولى من الابتدائية لا يرقى إلى أن يخص ببرنامج نظري؛ وإنما يكفي لتحقق القصد منه القيام بأعمال تطبيقية أقرب إلى الأنشطة الترفيهية، والتسلية،ويمكن أن يدمج معه في شكل أنشطة ملحق البستنة، لهذا على الأقل نحصل على تلميذ له مستوى جيد في اللغة العربية قبل انتهاء مرحلة الابتدائية، ومستوى متقدم في اللغة الفرنسية ،وقادر على فك رموز الحساب، بالإضافة إلى معرفة الأساسيات الدينية التي تخُصُّ فئته العمرية.
ب- كثرة المواد المدرسة في المرحلة الثانوية ( مرحلة التخصص قبل الجامعي)
فمن غير الطبيعي أن نشغل بال التلميذ في مرحلة الثانوية بمواد ثانوية لا ترتبط بصميم الشعبة التي يواصل فيها، مع العلم أن المستوى الذي يتلقاه من هذه المواد الثانوية يمكنه التَّحَصُّل ُ عليه في مرحلة الإعدادية دون مشقة قبل أن يدخل مرحلة الثانوية التي تتطلب تركيزا أكبر على المواد الأساسية والتي تعتبر مواد التخصص المستقبلي.
2- استحداث علاوة لتحضير الدروس؛ فمن المؤكد أن كثيرا من المدرسين لا يلتزمون بالتحضير وإن التزم به بعضهم فإنه يقف عند عدم تجديده بشكل يومي، والتحضير لا يمكن أن يكون تحضيرا يلبي القصد التربوي الذي يحمل لب البرنامج المراد تدريسه إلا إذا كان تحضيرا يوميا بشهادة تاريخ الدوام الذي يتجدد مع إشراقة كل يوم فيه عمل؛ عدا ذلك هو جمود على أثر، واجترار دون تحيين، وبين هذا وذاك يضيع واقع التلميذ الجالس حالا على مقاعد الدرس!، ومن هنا نقترح استحداث علاوة للتحضير المؤرخ بشكل يومي.
3- متابعة الحضور بشكل فعال: في سبيل متابعة الحضور الميداني بشكل يومي؛ ما الذي يمنع ونحن في زمن التكنلوجيا وثورة التطبيقات، ومجال التحول الرقمي المسيطر من تثبيت جهاز لتسجيل البصمة في مكتب كل مدير لأي مؤسسة تربوية، ويكون تسجيل بصمة الحضور إلزامي بداية الدوام ونهايته، ويكون التفاعل الالكتروني والاطلاع على البيانات متاح في نفس لحظة التسجيل للوزير، والأمين العام، ومدير المصادر البشرية، والمدير الجهوي لتلك الولاية،كل في مكتبه، نحن في زمن تورة المعلوماتية، ومن السذاجة الإجرائية، وتمام التخلف الإداري؛ أن نظل نتتبع الأثر التقليدي في معرفة الحضور وكشف الغياب.
4- إيجاد حل وسط بين مجانية الكتب التي لم تجدِ أصلا،وهي الخطة المتبعة في الماضي، والتسويق الرمزي المتبع حالا، والذي لم يعطِ النتيجة المرجوة هو الآخر، إذ المخازن الآن تتوفر على كم كبير من الكتب في ظل غياب طيف آخر من العناوين، وفي ظل عزوف أو عجز طبقة عريضة من المجتمع عن اقتناء هذه الكتب، ومن هنا ينبغي انتهاج حل وسط يكون بموجبه التوزيع المجاني على الطبقات ذات الأولوية (المشمولين بتدخلات تآزر وكل من يحتاج الدعم الاجتماعي) وبقاء التسويق على الجانب الآخر، وتوجيه المجالس المحلية -جهوية وبلدية- إلى لعب دور فعال في هذا المجال؛ مع ضرورة التفكير في جدوائية التوزيع الشامل على المرحلة الابتدائية؛ ولكن بمباشرة الجهة المعنية عن توفير الكتب (المعهد التربوي) كي لا نقع في أخطاء الماضي،خاصة في مرحلة التوزيع داخل الولايات.
5- تقليص العدد العام للأكشاك وتنويع المتوفر فيها، كأن يُضاف إلى الكتب الباقية للتسويق؛ الأدوات الهندسية، واللوحات العلمية، والدفاتر النوعية، والكتب الداعمة، وبقية الوسائل الديداكتيكية.
6- مراجعة المقاربات التربوية بشكل دوري في أفق زمني من خمس سنوات على الأقل أو عشر سنوات على الأكثر، والمراجعة لا تعني طبعا التغيير الجذري أو التخلي الكلي؛بقدر ما تعني التقييم والتحيين.
7- مراجعة المناهج التربوية في تناسب وتناسق مع مراجعة المقاربات وحتى مع الدواعي المستجدة التي قد تفرضها بعض التغيرات الدولية أو الإقليمية مثلا.
8- مراجعة محتوى الكتب المدرسية تبعا للتغييرات التي قد تتسبب فيها المراجعة التي تطال المقاربة أو التوجه الذي قد تسلكه المناهج التربوية.
9-تعميم الدروس المحضرة: من شأن التحضير الجيد إذا قام به كل مدرس على نفس المستوى العالي والخالي من الأخطاء أن يغني عن فكرة الدروس المحضرة، أما وإن الحاصل الآن عكس ذلك فإن تعميم هذه الدروس، وتغطيتها لجميع المراحل الدراسية يعد من الأهمية الاستثنائية التي تضمن حصول جودة التعليم بكل أمان.
10- الدروس النموذجية: وهي دروس في غاية الأهمية إذ تحصل معها المشاهدة التي تعتبر بمثابة تكوين لبعض المدرسين، ويحصل من خلالها إحياء الإنعاش التربوي الذي يؤسس من خلاله المعهد التربوي الوطني على رصد طبيعة العلاقة الميدانية الآنية بين المدرس الصامت والمدرس الناطق، ويرتب على ذلك ملاحظات تلعب دورا هاما في تأليف الكتاب المدرسي شكلا ومضمونا.
11- التأطير التربوي: من المهم جدا أن تكون هناك علاقة حية وقوية جدا بين هيئة التدريس وهيئة التأطير؛ بحيث تكون هناك ثمار تحصل تبعا لهذه العلاقة وتكون ملموسة عند نهاية كل سنة دراسية (أخطاء رصدت؛ صححت، ومكاسب تربوية حصلت، ومستويات تحسنت).
12- التكوين الأصلي والتكوين المستمر: من المهم جدا في المسار التربوي أن يكون التكوين الذي تلقاه المدرس أثناء وجوده في مدارس التكوين جيدا، وأن يكون قد لبى له كل الحاجات التربوية التي ستكون له الدعامة الملاصقة عند النزول للميدان؛ من هنا يلزم أن تكون هذه المؤسسات تحت الضوء الكاشف دوما، وتكون مناهجها التعليمية محل مراجعة وتحيين بشكل دائم، وتبعا لذلك يجب أن يكون التكوين المستمر حاضرا، حتى نضمن عدم تراجع المنسوب التربوي، ونضوب الخزان العلمي بعد مغادرة مدارس التكوين، والنزول للميدان.
13- تحيين ورقمنة مكتبات المطالعة، سواء تلك الموجودة في المؤسسات التعليمية، أو على مستوى المعاهد التربوية الجهوية، فالعلم مطالعة، وما خاب من جالس الكتب.
14- مجانية الزي المدرسي: من المهم ونحن في بداية زرع ثقافة الزي المدرسي الشامل أن نوزعه توزيعا كليا على المناطق التي تحصل فيها تدخلات اجتماعية، بل من المجدي أن توزع في المناطق الأخرى ذات المستوى المعيشي المتوسط على الأقل بمعدل زي واحد سنويا، ونرغب الأهالي في اقتناء زي مشابه؛ لأن وحدة واحدة من الزي لا تكفي لسنة، وتجذيرا لهذه الثقافة، ومساعدة للأهالي ينبغي أن تتحمل الدولة من أعباء هذه المادة ما يتجاوز الثلثين؛ عن طريق تآزر والهيئات المشابهة.
15- الكفالات المدرسية: صحيح أن الحكومة ساهمت في دعم التغذية المدرسية بشكل مباشر، وبالتعاون مع بعض الشركاء، لكن ذلك لما يصل بعد للحجم المؤمل، والتغطية المطلوبة؛ فينبغي أن تطال التغذية المدرسية جميع الولايات،وأكبر مساحة من الخريطة المدرسية، وتتنوع المواد المتوفرة من خلال هذه الكفالات المدرسية إلى ما يدعم التغذية الجيدة كيفا لا كما فقط.
16-توثيق العلاقة بين التعليم النظري والتكوين المهني حتى يلعبا معا دور المكمل لبعضهما البعض؛ فيُحتضن المتسرب من التعليم العادي، ويدمج بشكل فعال ومجدي، وسريع الثمار، ويشفع التعليم النظري بتكوين مفيد يعين على ولوج سوق العمل مبكرا.
17- دمج مقدمي خدمات التعليم حسب الكفاءة والاستحقاق؛ من خلال مسابقات شفافة، تشجيعا لهم ولغيرهم على الولوج والثبات في قطاع التعليم.
18- العدول عن الدوام الرسمي المتصل؛ صحيح أن المدن الكبيرة خاصة يكون فيها عائق النقل كبير جدا، لكن التغلب على هذه الجزئية أصبح ممكنا من خلال توفير باصات للنقل المريح والميسر في جميع المناطق، وبشكل خاص كبريات المدن؛ فقط تحصل الإدارة، ويحدد القصد ويتخذ القرار.. ولقد ذهبنا لهذا الطرح من أجل تلافي ضياع ساعتين تربويتين بشكل يومي وبالتالي إذا قدرنا أننا ندرس 30 ساعة أسبوعيا فإننا سندرس في غالب الأحيان 19 فقط، ذلك لكون راحة العاشرة دائما تأخذ ساعة زمانية، خاصة في المرحلة الابتدائية، وهذا مشهد سائد ومألوف في كثير من المناطق، خاصة مدن الداخل، أما الساعة الثانية الضائعة فهي الساعة الأخيرة من كل يوم حيث يتلاقى الإجهاد والملل؛ فبالكاد يستطيع المثابر أن يتجاوز الساعة الواحدة وهو في الفصل، ويتفاعل مع التلاميذ؛ هذا أغلب الحال على الأقل في كثير من المدارس الابتدائية.
19- بالإضافة إلى توفير النقل الذي تطرقنا له في النقطة أعلاه، فإن توفير النقل لهيئات الإشراف والتأطير مهم جدا ويترتب عليه متابعة العملية التربوية وتأطيرها بشكل جيد؛ وطبعا تتأثر نتائج المتابعة وتقل الفعالية في غيابه.
20- من المهم جدا القيام بدورات تدريبية وتكثيف التثقيف المدرسي حول عدم العنف ضد التلاميذ وعدم الاقتصار على مضامين القوانين والمقررات المانعة لذلك؛ لأن إكراهات الميدان تنسي كثيرا من المدرسين حقيقة العلاقة بين المربي والتلميذ، والطابع الذي ينبغي أن يطبعها دوما، وهناك بقية لا تطلع على هذه القوانين أصلا ولا تواكب المستجد منها.
21- صيانة هيبة المدرسين؛ فكثيرا ما سمعنا في الفترات القريبة الماضية، أو قرأنا في مواقع الأخبار عن ضرب مدرس أو تعنيفه لفظيا، وهذا يعكس انتكاسة أخلاقية خطيرة جدا، على مستقبل الأجيال والأمة، وطبعا يكتوي الأهالي بحصادها حتما.
22- إعادة التوازن الأخلاقي داخل أسوار المدارس، فلا يعقل أن تظل في كثير من الأحيان مسرحا لكشف المستور،وتسجيل المحظور، وتوزيع الممنوع عن طريق الهواتف الذكية؛التي قتلت الفضيلة في نفوس الطلاب، وعرَّت الإهمال الأسري الذي يقع كثير منهم ضحيته إلى جانب هشاشة دور الرقيب التربوي.
23- حظر التطبيقات الضارة، فأغلب الطلاب يمكث في هذه التطبيقات أكثر وقته ولا يتلقى فيها إلا ما يهدم الحياء،ويقضي على التحصيل العلمي الذي شُحن دماغه دونه بالتفاهة، وروافد الانحلال التي قتلت فيهم مفهوم الخجل،وأفسدت نكهة الحياء.
24- إبعاد السياسة العامة للتعليم عن التبعية العمياء للمخيلة السياسية؛ بعيدا عن تحكيم المنطق الفني، وعدم التصامم عن صدى الميدان.
25- توزيع المدرسين بطريقة أكثر إنصافا، وأقوى فعالية،بحيث نقضي على وجود أماكن ( مدارس - مؤسسات - مقاطعات - ولايات) مكتظة وأخرى تعاني نقصا حادا، وينبغي أن نسد الباب أمام المتربحين من هذه الظاهرة التي تمنع توازن التعليم وتقتل جودته.
26- توزيع القطع الأرضية على المدرسين، ورعاية إطار تعاوني مع البنوك، أو أي جهاز حكومي؛ بموجبه يتم بناء منازل للمدرسين في الأماكن التي يرغبون فيها، واقتطاع كلفة ذلك بشكل غير مجحف على أمد مقبول؛ كتشجيع للمدرسين، وتثبيتا لهم داخل قطاع التعليم، وإنهاء لمعاناتهم الدائمة في مطاردة الحصول على سكن لائق.
27- تفعيل نظام الأسلاك، وهو مطلب قديم تجدد أمل حصوله خلال السنة الماضية بعد تشكيل لجنة لتثمين مهنة المدرس، ودراسة الملف بشكل معمق، خلصت إلى نتائج إيجابية، وتجاوز الملف مطبات كثيرة في طريق النفاذ والاعتماد؛ حتى وصل حسب آخر المعلومات إلى مرحلة ما قبل العرض على مجلس الوزراء، وبالتالي ينبغي أن لا يتأخر كثيرا لما له من أهمية في رفع معنويات المدرسين وتنظيم مسارهم.
28- تحسين العلاوات التشجيعية، فهي رديف الراتب، ومن شأن تحسينها في ظل عدم زيادة الرواتب لعائق ما؛ أن يحصل معه مستوى من الإرضاء المنشود، وحتى في حال زيادة الرواتب، فإن زيادة وتحسين العلاوات أمر له مردودهالإيجابي الكبير.
29- زيادة الرواتب؛ تظل مطلبا دائما يتعزز مع تجدد موارد الدول، ويطرح بإلحاح كلما صعدت الأسعار، وتعددت مشاكل الحياة اليومية؛ وبالتالي ينبغي أن يظل ذكره يتردد دوما في الذاكرة، وعلى طرف اللسان، لكل من تولى جزءا من المسؤولية عن حل أو إنجاز هذه القضية.
30- زيادة ضارب وتوقيت مادة التربية الإسلامية فهو الضامن الأساسي بإذن الله تعالى لزرع القيم الإسلامية السمحة، بصورة لا غلو فيها ولا تشويه، ولا تفريط؛ خاصة إذا ضبطت المحتويات وكُيِّفت مع المقصود الذي من خلاله نحقق الغاية في البعدين التعبدي والمعاملاتي؛ وهذا الأخير نشكو من تشويهه كثيرا في بلادنا؛ وبالتالي آن الأوان لجعل منظومتنا التربوية قادرة على كسب الرهان، وترويض مساراتنا التنموية، وتثبيت دعائمنا الأخلاقية.
الأحد، 30 يونيو 2024
تعليق سريع على نتائج الانتخابات الرئاسية
بعد يوم من التنافس الانتخابي اتسم في كثير من مناطق البلاد بضعف الإقبال خاصة في فترات النهار الأولى؛ وبعد حملة انتخابية كثرت فيها المبادرات والتظاهرات التي اكتسى اغلبها مظهر الخدعة البصرية والولاء العكسي المبطن، بعد ذلك كله ظهرت النتائج الأولية والتي تقدمت رويدا رويدا إلى إظهار الحسم وانجلاء الحقيقة التي عبر عنها الناخبون في صناديق الاقتراع بإرادتهم الحرة غالبا..
ظهر أن بعض المناصرين كان يعتقد عكس ما جرت به رياح المحاضر التي وثقت فيها نتائج الاقتراع لكل مكتب على حدة، في عملية مشتركة المسؤولية، مشهودة التوثيق، منشورة الظل، ممكنة الاطلاع للكل، إن على مستوى المستخرجات التي تسلم لكل ممثل في كل مكتب أو من خلال موقع my ceni الذي يمكن لأي مواطن في أي ركن من منزله أن يطلع على أحدث المعطيات المنشورة عليه؛ تباعا، ويتثبت من دقتها أو العكس.
صحيح أن بعض المتنافسين على كرسي الرئاسة أبدوا تنكرهم للنتائج واعتراضهم على ما ظهر منها لحد الساعة؛ في شهوة خفية تحتكر رضاهم في فوزهم فقط، لكن هل يلزم رياح الحقيقة أن تجري تبعا لتلك الشهوة؟ أم أن تعرية الحقيقة هي الحسنة المنشودة؟ ..
إن تتبع تفاصيل النتائج والوقوف على جزئياتها؛ يقييدنا بشي من الإنصاف ويلزمنا بالاعتراف، اتصافا بشيم الأشراف، ولو على حساب أنفسنا.
من الأكيد جدا أن العمل البشري يعتريه النقص والقصور، وتحيط به الشوائب من كل جانب، لكن هل الشوائب أو المآخذ المرصودة بلغت مبلغ التعكيير على صفو المسار العام للنتائج الانتخابية، وهل؛ فرضا، إذا وقفنا على ما ذكره بعض المترشحين في مناطق معينة أنه هو مكان التزوير، والجور، والتغيير، وقلب الحقائق؛ في إشارة منه موضعية تماما، هل إذا أخذ ذلك لصالحه وتم جمع كل تلك الأصوات في تلك الأماكن المذكورة وأضيفت إلى رصيد هذا المرشح سيغير من الأمر شيئا؟، أما أن هذه للإثارة فقط؟...
أعتقد؛ واعتمادا على ما ظهر من النتائج حتى الآن أن كل تلك المناطق التي ذكر فيها مرشح بعينه هذه الخرقات؛ أنها لو منحت له بكامل أصوات الناخبين فيها، بل إذا ضربت في نفسها مرات؛ لن تعطيه إمكانية اللحاق بالمتقدم المباشر عليه في هذه النتائج، وزيادة على ذلك نحن في زمن الصورة والفيديو ومن المستحيل تصديق الكلام المطلق على عواهنه، مع أنه من السهل الإتيان بصورة ما؛ صادقة أو مفبركة، فإنه لحد الساعة لم نسمع سوى كلام كان مفترضا قبل صدور النتائج، لأنه ببساطة حجة المهزوم وعزاء من امتنعت عنه صناديق الاقتراع كلا لا بعضا.
في الأخير وتأكيدا لهذا الطرح، من الذي يمنع النظام الحاكم من إحكام التزوير إن كان ذلك قصده وعنده وسائله حسب هذا الزعم، مثلا لما يترك الهوة تتسع في انواذيبو مثلا بين المرشح الذي سيفعل ذلك لصالحه وهو متأخر بآلاف الأصوات عن الذي يشكو هذا التزوير المفترض، والحال نفسه يمكن قوله عن السبخة والرياض وأماكن أخرى متفرقة من البلاد، وعلى هذا القياس طبق على كل من تقدم على المرشح الرئيس في أي مكان من البلاد.
أعتقد أننا عشنا تجربة متقدمة في الممارسة الانتخابية علينا أن نستثمرها في المستقبل؛ فمن غير المنطقي أن تغطى مكاتب التصويب مثلا بممثلي المترشحين ويتسلمون مستخرجات للعملية الانتخابية المطابقة للمحاضر الموقعة من طرف هيئة الإشراف الموضعي، والتي تمكن مقارنتها مع المعلن رسميا على موقع اللجنة المتاح لكل مواطن في كل مكان، ونشرها للعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت البديل الإعلامي الذي يفضح التستر على كل الخرقات، أعتقد أن هذا كله يفند كل الادعات التي لا تسلك هذه المسالك في الكشف والتبيان، وفي الأخير تبقى الحقيقة حقيقة عصية على الانصياع خلف نزوات العاطفة فقط، ويبقى الادعاء هراء مالم يتشح بسميك الإثبات، وقوي الدلائل، وواضح البرهان.
الأربعاء، 26 يونيو 2024
الانتخابات الرئاسية: أهمية الأمن والعافية
شارفت الحملة الانتخابية الرئاسية في بلادنا على نهايتها؛ وهي الانتخابات التي يتنافس فيها على كرسي الرئاسة سبعة من أبناء هذا الوطن، يحدوهم الأمل في الفوز، كل على حدة؛ وإن تباينت حظوظهم التنافسية وحظوتهم الشخصية؛
لقد شكلت مضامين الخطابات السياسية خلال الحملة الرئاسية؛فسيفساء وطنية حاول أصحابها تقديم أحسن ما عندهم نظريا،وكان الجو العام مقبولا جدا مع بعض الاستثناءات أخيرا، حيث طبعت أجواء الحملة بصبغة الاحترام المتبادل ونضج الخطاب السياسي، طبعا لا يعني ذلك عدم تسجيل بعض الملاحظات السلبية هنا وهناك، لكن عموما كانت الإيجابيات أكثر، لم يأت ذلك اعتباطا وإنما هو وليد تراكمات منبثقة عن جو التهدئة السياسية الذي ساد البلاد في السنوات الخمس الماضية.
لقد شكلت التهدئة السياسية التي تدثرت بها البلاد منذ وصول الرئيس الحالي للحكم أرضية صلبة ونواة فعالة، عززت دعائم الأمن المغلف بعافية التعايش السلمي بين مختلف مكونات هذا المجتمع؛ وهي محمدة نعيشها بفضل الله يحسدنا عليها الجيران؛حسد غبطة وتمني نوال، إذ أغلب دول جيراننا تعيش انفلاتا أمنيا وانقساما داخليا يكابدون من أجل تجاوزه، وإعادة بلدانهم إلى نقطة الأمن والسكينة، وهذا الذي ينبغي أن نتنبه له نحن؛ إذ الآخرون لا ينشدون الآن تنمية ولا ازدهارا بقدر ما ينشدون عودة الأمن عندهم إلى سابق عهده، ويجتمعون على بساط العافية، ومن المهم جدا أن ندرك جميعا أن التنمية والازدهار والرقي لا يمكن تخيل أبسط مستوياتها إلا على دعائم أمن صلبة، ونسيم عافية يتمدد على الجميع,
من تتبع عورات المسلمين وبين أن متتبعها يتتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته والعياذ بالله، كل هذا يحمل من الوعيد والتحذير ما يجعل التريث والابتعاد عن استسهال قذف المسلم لأخيه المسلم أو القول فيه بغير وجه حق؛ وذاك الذي قال عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) وردغة الخبال والعياذ بالله هي عصارة أهل النار.
فعلينا معاشر المسلمين أن لا نجعل من الممارسة السياسية مفسدة تعود علينا بالنقمة والخسران؛ وأن نتجنب الولوغ في أعراض المسلمين؛ فالاستثناءات بخصوص ذلك معدودة، ومقيدة،ومضبوطة بضوابط منها المجاهرة بالفجور؛ والتأكد من ذلك، لا افتراء، ولا ادعاء، ولا تخمينا، ولا تبعا لردة فعل مؤداها خلاف سياسي عابر، وعلينا أن نستحضر أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فالجوامع كثيرة ومفاتيح التلاقي عديدة، وأسباب الفرقة والخلاف ضئيلة، منتنة، بغيضة، كثيرا ما تموت بالتجاهل؛ والحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الأربعاء، 27 مارس 2024
الأربعاء، 20 مارس 2024
الجمعة، 16 فبراير 2024
الثلاثاء، 30 يناير 2024
الخميس، 25 يناير 2024
عندما يضرب المعلم وينوب عن الشعب الهبنقة ( مقال)
عندما تسابق الأمين والمأمون أبناء الخليفة العباسي هارون الرشيد ذات يوم؛ لمّا أنهى معلمهما درسه، ونهض لينصرف، فركضا إلى نعليه، وتزاحما، وتشاجرا عليهما أيهما يحملهما، ويقدمهما للمعلم، إكراما له، وتقديرا لمكانته؛ ثم اتفقا على أن يحمل كل واحد منهما فردة من نعال المعلم ليقدمها له؛ أظهرا بذلك أدبا تاما، وصنعة حسنة، وهما أميران، وأبناء خليفة المسلمين؛ أيام عز الدولة الإسلامية، وهو الذي كان يقول للسحابة عند ما تمر من فوقه: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيعود إلينا، الخليفة هارون الرشيد لم يفته المشهد؛ فلقد كان يرقبه دون شعور المعلم، أو حتى الأميران، وطبعا أعجبه ما رأى من ولديه، وأكبر صنيعهما، وفي اليوم الموالي سأل الخليفة هارون الرشيد معلم ولديه: من أعز الناس؟ أجابالمعلم: أنت يا أمير المؤمنين، أعزك الله، ومن أعز منك؟، قال الرشيد: بل أعز الناس من يتسابق ولدا أمير المؤمنين، ووليا عهده لتقديم الحذاء له وإلباسه إياه، وطبعا أصابت المعلم الرهبة، وظن أن الخليفة غاضب منه، وأنه سيعاقبه على ما حصل، ولكن الخليفة أقبل على إكرامه وأثنى عليه، وذلك تقديرا منه لفضل العلم، ومكانة المعلم الناصح الأمين.
ومن أجمل ما قيل في هذا الموقف ذلك الكلام الطيب الذي ختم به الرشيد كلامه وهو يخاطب هذا المعلم فقال له: (لقد سرني ما قاما به، إن المرء لا يكبر عن ثلاث صفات :تواضعه لسلطانه، ولوالديه، ولمعلمه).
لمّا كان المجتمع الإسلامي مجتمع قيم وأخلاق كانت هذه صفات أرفع بيت فيه، وهو البيت الذي يؤوي أكثر الشخصيات عزا ومهابة، وكان معلم الناس الخير يحظى بكريم العناية وفائق التقدير، ترسما لكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته وأهل السَّموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) الترمذي- صححه الألباني (صحيح الجامع).
كان معلم الناس الخير يحظى بالتبجيل والإكرام، عرفانا منهم أنه الشمعة المضيئة التي تنير طريقهم في اللياليالداجيات، وأنه هو جسر العبور الآمن وقنطرة الاجتياز المُطَمْئِنَة، فنالوا بذلك فضل علمه، وتعلقوا بمعالِ الأمور، وهجروا سفسافها، فضمهم سمط الثريا، وتعلقوا بهافنالوا منالها.
أما في يومنا هذا فقد تقهقرت تلك المحامد والأفضال، فذاع ضرب المعلمين، وتسيَّد المهرج، وبهت غير المخنث، وصار عقد الجمان محصورا في تمجيد فلان أو علاّن من طرف هؤلاء المهرجين والمخنثين؛ في صورة مقززة تعكس مستوى التشبع المادي المترف؛ قرين الفسق، عند من يتعاطون مع هذه الظواهر، وحقيقة الأمر أنه ينبئ بانحدار أخلاقي غير مسبوق، فباكورة الحديث اليوم في أغلب المجالس؛ تسليعٌ للقيم ،وتلاشٍ للأخلاق، واستجداء للنفع المادي على حساب بقية الفضيلة!.
تصوروا معي أن يُضرب معلم، أو يهان من طرف إنسان واعٍ!، من طرف شخص سويٍ؛ ذي مكانة، أو له مهابة، مرتب في أي سلطة، أو خلاف ذلك، إنه مشهدٌ مخزٍ ومذل، ومهين للفاعل قبل المفعول.. علينا أن نتلافى شيئا من أنفسنا؛ فالأمم دون الأخلاق سراب، وبالدوس عليها يكون تشييدها خراب.
إن الحالة التي وصلنا إليها من انحسار الأخلاق وارتكاس الفضيلة؛ تشي بعدمية مكنون من تصدر عنهم هذه الأفعال وعبثية هممهم..
ولقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وعطفا على ما تقدم؛ عطفا لا يقتضي المغايرة، بل يؤكد التشريك ويظهر الاقتران؛ ما أصبح يتضوع من نتانة البذاءات القادمة من قبة البرلمان، غرفة التشريع!، وعجيب أمر أصحاب التشريع اليوم؛ من ضاربٍ للملعم؛ وهو صانع العقول، ومهذب الأدمغة؛ إلى ناشرٍ للسفاهة وفحش القول، وخلاعة اللسان، وقبح البيان، فإذا كان بالإمكان أن يسلم موظف في الحكومة اليوم أو أي إنسان في هذه البلاد له علاقة بالهم العام؛ إلا من خرقات في التسيير إن وجدت، يسلم الوزير الأول الذي كان محل النقد الجارح للحياء هذا، الخادش للذوق السليم، وبعيدا عن السياسية؛ وبعيدا عن الاعتبارات اللونية المقيتة، والحسابات الطينية الفانية، فإنه يمكن القول أن الرجل بدل وصفه بساقط الكلام الذي صدر من (نائبة)، بل الأكيد؛ إذا قيل فيه أنه صِدقًا ينسق عمله الحكومي بطبيعة هادئة؛ عناوينها البارزة: صفر مشكلة مع الوزراء؛ صفر عداوة؛ والظاهر أن ذلك مرده عدم التدخل في صلاحيات الآخرين، وعدم الشطط في استخدام السلطة، والتخلي عن الحقد، والتحلي بالألفة، وإضفاء السكينة على المشهد العام، وما شهدنا إلا بما يشهد به كل من ينظر إلى مجريات الأمور برؤية حيادية.
وختاما أحسن عنترة بن شداد حين قال:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب
الخميس، 11 يناير 2024
المعهد التربوي الوطني: منعطف بين إدارتين( مقال)
قبل سبع سنوات وسبعة أشهر قرر مجلس الوزراء تكليف مدير جديد بتسيير شؤون المعهد التربوي الوطني؛ و ماكان هذا المدير إلا تلك الشخصية التربوية النادرة، والرجل الإداري المميز.
لقد كان هذا التكليف في ظرف استثنائي بالغ الحساسية إذ كان هذا البيت التربوي العتيق في فترة سبات مردها الإهمال الذي طاله حتى وصل الأمر ببعض المدبرين للشأن التربوي أن طالبوا بإغلاقه وطمس آثاره في عداوة ظاهرة للعلم والمعرفة، ومعانقة قبيحة للجهل والفشل، فلا يعقل أن يستقيم عمود التعليم دون كتاب ناضج التأليف، ولا وجود لذلك في غير بيئته الفطرية التي يتبلور فيها ويتشكل ثم يولد وينضج؛ ولا يمكن لعاقل حتى وإن جهل أبجديات التربية والتعليم أن يتصور حصول ذلك في بيئة غير المعهد التربوي الوطني؛ لما يكتنز من طاقات التصور والإنتاج والتأليف والطباعة والنشر والمتابعة والمراجعة..
لقد كانت الأذرع الجهوية الضرورية لهذه المؤسسة الحيوية في هذه الفترة المظلمة عبارة عن أطلال لم تهيج أخيلة شاعر لأنها وجدت في زمن حديث الدرهم وصمت الكلمة، لكن هذا الأب المدير عمل على إعادة الروح والنشاط لهذه القلعة التربوية الحصينة بأهميتها وقيمتها عند ذووي الألباب والبصائر فكان صبورا هادئا، زارعا بعون الله معالي الأمور في نفوس طاقمه، تجاوز ونصح، وجه وأرشد، تبصر وتريث، كتم الغيظ؛ فنجا من خطر الوشاة، المقتاتين على تتبع العورات والعثرات، المنتفعين ظلما من كل ماهو غاد وآت.
ولأن تعقل الإنسان وحلمه وأناته أمور لا تنكشف إلا عند الأزمات وارتداد الصدمات؛ ظهرت شخصية الرجل الهادئة دون إخلال، المتبصرة دون إهمال، فكان نعم المدير لمؤسسة بحجم وزارة، طاقما، ومسؤولية، وهنا مربط الفرس، وربع عزة..
وفي سبيل نوال الحقوق حاول المدير العام جاهدا إنصاف المديرين الجهويين ورفع الظلم عنهم في رواتبهم المتمثل في عدم حصولهم على نسبة 56% من راتبهم الشهري؛ إذ لا يتقاضون في الوقت الحالي أكثر من 44% من هذا الراتب الذي هو أحق المستحق، فهو المكافأة المالية المنصوصة في المرسوم رقم 106 الصادر سنة 1993 !!
وللتذكير فإن هذه المشكلة ناتجة عن خطإ إجرائي سابق لم يصحح لحد الساعة؛ رغم جهود المدير العام المنصرف الذي بذل جهودا كبيرة أثمرت تفاعلا تاما من الوصايتين المالية والفنية أشفعت بمراسلات كان آخرها محضر لمجلس إدارة المعهد التربوي بخصوص تفاصيل هذه المكافآت التي وقع فيها هذا الخطأ.
وفي مجال الرقابة والتفتيش حطت المفتشية العامة للدولة رحال خيرة المفتشين الشباب عندها وأمضوا فترة انتداب للتفتيش والتدقيق حددت بستة أشهر وزادوا عليها قرابة ستين يوما دون أن يجدوا ما يعكر صفو التسيير عندهم، وإنها لعملية تبطن شهادة بنزاهة المؤسسة؛ إذ لم يعهد أصلا أن يحصل التفتيش والمساءلة المالية في اغلب المؤسسات إلا وتبعتها اعتقالات وتجريد أو حبس وتفاهمات .. وكان مما يلزم أن تكرم هذه المؤسسة العتيقة بسد الثغرات وإكمال النواقص تشجيعا لها لمواصلة النهج القويم؛ فينصف من يعاني خللا في الراتب، وتستحدث ميزانيات جهوية؛ والتي كان عدم وجودها من الملاحظات السلبية وإن بصبغة شكلية؛ ثم تقتنى سيارات للخدمة لكون الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسة وممثلياتها في الداخل تتوقف على حمل المتاع وأي متاع، إنه أعز محمول وأفيد منقول، إنه المدرس الصامت، الكتاب المدرسي، الذي من خلاله نحدد ملامح الشخصية الإيجابية التي نريد، وبوصول محتواه إلى ذهن التلميذ تنجح أهداف المنظومة التربوية؛ إذا الخلل في من يقيم الأمور، ويوصل الحقوق، وليس في مكمن القيمة ولا في مكتنز العز والجدوائية.
ونحن إذ نودع المدير العام السابق نستقبل في ذات الوقت المديرة العامة الجديدة الدكتورة الشابة التي نرجو لها كل التوفيق؛ فلإن كان المدير السابق كما اسلفنا بحق وحقيقة قامة تربوية رفيعة، وشخصية إدارية عميقة، فإن المديرة العامة الجديدة، الدكتورة، النشطة، كما يقول العارفون بها؛ كفاءة علمية، وشخصية شبابية محورية في التأثير بشهادة وطنية، وأجنبية؛ يتضح من أي حوار خاطف معها أنها ذات بديهة مركزة وكياسة محمودة، نرجو أن يكون لها كل ذلك دعامة معينة على تدبير وتسيير شؤون هذا المرفق التربوي الهام والمحوري..
والله من وراء القصد وهو سبحانه وحده الهادي إلى سبيل الرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة والسلام.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)