الاثنين، 24 نوفمبر 2025

حول لقاء الرئيس بالمؤتمرين الشباب (مقال)

خلال حفل بهيج في ليلة مشهودة من ليالي شهر الحرية والانعتاق الوطني، وبمشاركة 1300شاب؛ أشرف فخامة رئيس الجمهورية على المؤتمر الوطني لتمكين الشباب... كانت الصورة ناصعة وملامح المشهد واضحة، مضيئة، متلألئة وبراقة. في هذه الليلة التي ستكون علامة فارقة في تاريخ البلاد بتأسيسها لمرحلة جديدة من طيب وجدوائية العلاقة بين القيادة الوطنية والشباب بوصفه اهم الطاقات الحية، الذكية، المتحركة. لقد أكد فخامة رئيس الجمهورية في غيرما مناسبة أن هذه المأمورية التي نحن في إحدى لياليها المضيئة؛ مأمورية الشباب ومن الشباب وإلى الشباب، وهنا نقف صدقا على أفعال زكية تصدق أقوالا مشهودة. في هذه الليلة الاستثنائية سلم فخامة رئيس الجمهورية لأصحاب المبادرات الشبابية الأكثر ابتكارا وتميزا في ثلاث مجالات كبيرة هي: المبادرات والمشاريع التي تعزز تمكين الشباب، المشاربع الصغرى والمتوسطة، مبادرات الخدمة المدنية، وطبعا كانت هذه المجالات تشكل مضمار التنافس، وكان المكرمون هم الأفضل في هذا السباق والتنافس، وكانت الجوائز المقدمة جوائر ذات قيمة مادية كبيرة واعتبار معنوي عريض، وفي الكلمة الفصل التي توج بها فخامة رئيس الجمهورية هذا الحفل بإطلاقه مشاريع كبرى وقرارات فريدة، كانت كل جملة في هذه الكلمة الموفقة ذات دلالة وطنية خالصة وعمق استراتيجي كبير، حيث جدد فخامة الرئيس دعوته للشباب إلى الإقبال على التكوين التخصصي، والتعليم المتقن، والعمل الجاد، كي لا تظل آلاف فرص العمل المتاحة والمتجددة في بلادنا ضائعة كما كانت، فالمشاريع الوطنية والبرامج المصاحبة مافتئت حسب إقرار رئيس الجمهورية توفر هكذا فرص. وأكد فخامة الرئيس أن الحكومة عملت على تبسيط الإجراءات وتنويع آليات الدعم المؤسسي لصالح مختلف الفئات الشبابية وخاصة تلك التي تعاني الغبن والهشاسة، مما يعزز قدرة هذا الصنف على الصمود ومواجهة التحدي لضمان مشاركتهم الفعالة في بناء الوطن. وذكر فخامة الرئيس أن الحكومة قامت بدعم وتأهيل عشرات آلاف الشباب من أجل تمكينهم من ولوج سوق العمل بقدرة وتمكن، ومن خلال تمويل مشاريع مدرة للدخل؛ يحصل نداها في الامد القريب أو المتوسط، وكذا فتح مجال المساعدة والدعم التام أمام المبادرات الشبابية بكل أشكالها. ومن جملة القرارات التي افصح عنها فخامة رئيس الجمهورية وأصبح العمل بمقتضاها يأخذ قوته القانونية بوصفه يؤسس لمراسيم ملزمة النفاذ، وعلى إثر ذلك تقرر تصريحا لا تلميحا: - إنشاء جهاز مؤسسي للتشاور الشبابي على المستوى المحلي لإشراك الشباب في تحديد أولويات التنمية بمناطقهم. -تحويل صلاحيات المجلس الأعلى للشباب إلى هيئة فنية جديدة تتولى التنسيق الوطني لآليات التشاور الشبابي. - رفع ميزانية صندوق التشغيل لدعم أكبر عدد من المشاريع الشبابية. اكتتاب ثلاثة آلاف موظف جديد لتوفير فرص عمل فورية للشباب المؤهلين. توفير ثلاثين ألف فرصة عمل خلال عامين عبر تنسيق التشغيل في قطاعات الزراعة، الصيد، التنمية الحيوانية، التعدين، الطاقة، وهذا ممكن جدا، وسهل التحقق في آجاله إذا ما وجدت الإرادة الصادقة، والنية الحسنة والجهد المبارك والمواظبة الدائمة. - تعزيز فرص العمل الذاتي للشباب الهش من خلال ربط التكوين المهني ببرامج التمويل. -فتح سبعة آلاف فرصة تطوع جديدة ضمن الخدمة المدنية لاكتساب المهارات المهنية وخدمة الوطن. -إطلاق مشاريع رياضية كبرى تشمل إنشاء مائة ملعب رياضي صغير، وإنشاء ملعب دولي سعته خمسة وعشرون ألف متفرج. كل هذه القرارت تتنزل في صميم الأهمية ويعول على صداها في قابل الأيام مما يجعلنا نشيد بكل من كان له دور في اقتراحها أو اعتمادها، وهنا لا يمكن أن نغفل عن دور مستشاري فخامة الرئيس الذين يستعين بهم وتستنير الحكومة بمضيء أفكارهم؛ سواء كانوا مستشارين بالتسمية والتوظيف أو بالطبيعة والتكييف، إذ لا تخفى على ذي لب وبصيرة بصمات أقرب المستشارين المعنويين لفخامة رئيس الجمهورية ممثلا ذلك في السيدة الأولى خصوصا ومدير ديوان رئيس الجمهورية تحديدا، ومن خلال الحماس الذي لا يخطئه لحظ متابع لمختلف فقرات الحفل، ومدى التفاعل الكبير الذي ظهرت به السيدة الأولى وسعادتها بكل مستجداته التي كانت كلها إيجابية أدخلت السرور على الحاضرين والمتابعين؛ من تابع ذلك يدرك بجلاء أن السيدة الأولى كانت من أهم مهندسي هذا التوجه الذي توج بهذا الحفل إن لم تكن هي عرابه بدون منازع؛ وقديما قيل: محيا المرء أصدق ترجمان على كنه المغيب في الفؤاد. فهنيئا لكل شباب الوطن فهم مكرمون جميعا، وبهذه الخطوة التي ستكون سنة حميدة متجددة تجدد السنين والأزمان سنسعد معهم جميعا ونعيش زهو اللحظات وننتشي بندى المنجزات.

الخميس، 13 نوفمبر 2025

الرسائل الندية من خطابات رئيس الجمهورية/ عثمان جدو (مقال)

أ
تكتسي الزيارة التي يؤديها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أهمية كبرى لما تحمله من دلالات وطنية وأبعاد تنموية. فلقد كشفت هذه الزيارة أولا وقبل كل شيء عن نبل المواطن الموريتاني البسيط المرابط في أدغال موريتانيا الأعماق، حيث ذابت الشرائحية، وبُهِتَ المتلونون بتلاحم الشعب الموريتاني خلف هدف واحد، وانتظام المواطنين في طوابير الاستقبال دون تمايز، همهم الحاضر الوحيد استقبال فخامة رئيس الجمهورية بكامل الفرحة ووافر الترحاب، وإظهار السعادة المطلقة بذلك وبما يعلن عنه من برامج تنموية محلية عاجلة، مفصلة على كل منطقة بالتحديد الكاشف الذي يُظهر كل جزئية على حدة، مع بيان الحيز الجغرافي للتنفيذ، كل ذلك بالنقطة والفاصلة؛ وهنا لا يمكن أن نعيد كل ما قيل أو بسط كل فكرة تقدم بها صاحب الفخامة، بل حسبنا في هذا المقال التوقف مع بعض المضامين المميزة الواردة في خطابات رئيس الجمهورية كرسائل منتقاة من عموم رسائل الشرق القادمة من هذه الزيارة. وهنا يمكن القول أن أهم الرسائل الواردة في خطابات الرئيس ما ذكره في مجالات التعليم والأمن والسياسة دون إغفال ما ذكره بخصوص تقوية الروابط الاجتماعية، والتركيز على إنجاح الحوار بوصفه يشكل منعطفا قادما يمكن من خلاله رسم لوحة البلاد بإشراقتها البهية حيث تكون أكثر نصاعة وأدوم نجاعة. لن نتحدث هنا عن المنجز المبرمج من الطرق أو الحجرات الدراسية والمستشفيات أو الإعانات الاجتماعية وغيرها، فذلك تحصيل حاصل، وفي إعادته تكرار لا يخلو من الاجترار، ولكن سنتوقف مع الأفكار التي من شأن الحكومة أن تستوعبها كمضامين إيجابية مُلزمة، وتعمل على تجسيدها على أرض الواقع، ففخامة الرئيس لا يباشر تطبيق القرارات بنفسه لكنه يحدد ملامح الصورة، ويحدد ابعادها، ويرسم الخطوط العريضة لخريطة العمل الذي يجب إنجازه وفق آجال معلومة، ولأن كل جملة صدرت عن فخامة رئيس الجمهورية في سياق الأمر تعتبر مرسوما ملزما، تنفيذا، وتطبيقا؛ فيجب على القطاعات المعنية بهذه المضامين العمل بكل جدية على إتمام التنفيذ وفق أنجع السبل. لقد ركَّز فخامة رئيس الجمهورية على ذكر المعلم والجندي كلاهما بخير، فأكد أن تبجيل المعلم هو الطريق السالك نحو التقدم والنجاح والنهوض الوطني الشامل، وهنا على الحكومة أن تسعى جاهدة في سبيل ذلك إلى تحسين واقع المدرس قبل كل شيء باقتراح العلاوات المجزية أكثر فأكثر؛ وتقديم مقترح لصاحب الفخامة حول زيادة الرواتب زيادة معتبرة تجعله يستطيع مواجهة ارتفاع الأسعار وإكراهات الحياة الأخرى بعزة وشموخ، ثم تتبع ذلك بما يقتضيه الإصلاح من تدعيم البنى التحتية والتمكين من وسائل العمل اللوجستية والديداكتيكية. والحالة نفسها تنطبق على الجندي الساهر على تأمين الوطن، المرابط على الثغور، فهو المستحق علينا دون منٍّ أو أذى كل إشادة، ومن الدولة كل عناية ومساعدة، وهنا لا تكفي زيادة الرواتب فحسب؛ بل يتعدى الأمر ذلك إلى الاعتزاز بدوره وتشجيع الشباب على الالتحاق بالخطوط العسكرية، خطوط الشرف والأنفة والشموخ، وكتجسيد لذلك لا نَمَلُّ من تحسين الوضع المادي لمختلف التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية، ثم نغمرهم بالاعتبار المعنوي الذي يجب أن يلعب فيه كل مواطن دوره كاملا؛ إجلالا لهم، وتقديرا للدور الذي يقومون به. وهنا أقول: لولا المعلم لما كان غيره في وضعه الحسن المريح، ولولا الجندي لما بات الشبعان على أريكته مرتاح البال قرير العين. لقد بعث فخامة رئيس الجمهورية في إحدى المحطات الأخيرة من زيارته للحوض الشرقي برسائل وطنية، سياسية تنير دروب السالكين نحو الحوار الوطني المُطِلْ؛ فذَكر المؤسسات الدستورية ومدى نجاعتها مُتسائلا عن مدى نجاعتها ومواكبتها لحاجات البلد ومتطلبات المرحلة؛ واللبيب تكفيه الإشارة، فليس الاستئناس بذكر المنظومة الانتخابية التي يتهمها المناوئون بعدم القدرة على تسيير انتخابات نزيهة ذات مصداقية، وطنيا، ودوليا أمر اعتباطي أو هو كلام بلا معنى؛ كلا، فكلام البالغين مصان عن العبث، أحرى كلامٌ لأعلى سلطة في منبر مشهود؛ تشرئب إليه أعناق العقلاء. والحالة هذه يُقاس عليها ما قيل في ذكر مجلس الشيوخ وإن تلميحا، وما ذكر به المجلس الاقتصادي الاجتماعي وهيئة الفتوى والمظالم تحديدا وتصريحا، وكذا الجماعات المحلية والمجالس الجهوية، كل هذه المذكورات إن لم تولد مع مشاكل ومعيقات أفرغتها من حصول المقصد وإنجاز المؤمل، فهي على الأقل تُلازم كثيرا من المعيقات بفعل عوامل شتى، وبالتالي لابد من إعادة التفكير والمطارحة حيالها كي نضمن المردودية الإيجابية أو نريح كاهل الدولة من تراكم الأعباء بفعل وجودها دون نتيجة تذكر. ختاما وبكل إيجاز وكما جرى به كلام رئيس الجمهورية؛ على النخب السياسية والثقافية أن تدرك وتعي وتستوعب؛ ثم تستثمر المواضيع الكثيرة الموجودة بين يديها، لتناقشها بكل نضج وروية، بعيدا عن التخوين، والتهويل، والتنابز الذي لا طائل من ورائه، وعلى الجميع أن يدرك أهمية اللحظة، وقيمة الفرصة، ومميزات المرحلة التي سيكون بساطها الأحمر حوارا شاملا لا يستثني راغبا ولا يمنع منه عاتبا.

الاثنين، 27 أكتوبر 2025

نكبة المفسدين/ عثمان جدو (مقال)

في هذه البلاد التي حباها الله بأنواع الخيرات وجعلها دولة قليل سكانها، كثير وعاظها، وعلماءها، وصلحاءها، فلكثرة دعاة الفضيلة والمثالية في بلادنا تظننا نحتكر الأخلاق ونصنع مفاتيحها، ومع ذلك تنفجر فينا بين الفينة والأخرى ملفات فساد رهيبة؛ تكاد تكون هي الأخرى لنا خصوصية تعريفية في الجانب السلبي. في الفترات الأخيرة أصبح جُلُّ موظفينا يبحثون من اليوم الأول بعد الترقية أو التعيين عن المزايا والمنافع الشخصية فيطغى ذلك على أداء المهام الموكلة إليهم، وطبعا تذهب المصلحة العامة أدراج الرياح، إذ لا بواكي لها من هؤلاء وليس لها منهم من مدافع ولا صائن. لقد امتاز المفسدون في بلادنا بالنهم في جمع المال غير المشروع؛ فأساؤوا استخدام السلطة لذلك، وزوّرا، وأخفوا، وحرّفوا، وتحايلوا، ولفقوا؛ كل ذلك من أجل منافع شخصية غالبا لم تكن لضرورة البقاء على قيد الحياة، سواء من فاقة أو لمواجهة تحديات داء عضال؛ بل كانت للإيغال في إظهار الفجور وزرعه في الأجيال، ولعلك وأنت تقرأ هذه السطور تمر بك فتاة في عمر الزهور تعتلي أخر صيحات السيارات دون أن يُعرف لها شغل مع العلم أن أهلها لم يعرفوا أيضا بالثراء المباح أو حتى المشبوه، والحال هذه في المراهقين وإن كانت بوتيرة أقل. إن الملاحظ العابر غير المتتبع الدائم لما يشاهد في مناسباتنا الاجتماعية سيُبهت لفرط التبذير، والسفور، والفجور الذي تغذيه المنهوبات والمسروقات المفوترة، يستوي في ذلك الغني والفقير، الحكيم ادعاء، والرزين تمظهرا، وخلافهما من شياطين الإنس الذين أصبح سلوكهم يفاجئ شيوخ الجان ومردة الشياطين. لا شك أن هذه المظاهر المشينة هي التي تشكل في الغالب عامل ضغط على متصدري المشهد الوطني سياسيا واجتماعيا؛ فتدفعهم لفرط ضعف شخصية أغلبهم إلى محاكاة مزاج ذوات الميول الباذخ، وجُلاسهم من المخنثين، ومن كان لهم رديفا ومزاحما من أشباههم، وهنا تنهب المليارات لمواكبة تلك السهرات واقتناء الفلل والعمارات في الداخل والخارج، ومنح الأعطيات من السارق الجريء للكسول الذي لا يعمل إلا على هدم الأخلاق، وتغدية أدران الرذيلة، والسفور والفجور ... ترى إلى أين نسير بهذا المجتمع الذي كان قبل هؤلاء وديعا صافيا ملتزما؟؟؟ إن هذا المجتمع الذي حولته المادة إلى مجتمع آخر غير الذي كنا نعرف لابد له من صحوة كبرى، شاملة بدءا بمراجعة مسار التعليم في كل القطاعات المعنية بحثا عن التأثير الإيجابي، والنتيجة المفيدة، والمضمونة، صحوة توجه هذا الفلتان الذي بدأت تعكسه مرآة التطبيقات التواصلية في صورته القذرة. ولا بد لهذه الصحوة التي نريد أن تكون قادرة على تجفيف منابع المخدرات، واعية لخطورتها التي تسللت مع روائحها إلى كثير من البيوت في تغافل مجتمعي لا يبشر بخير. إننا إذ نسطر هذه الكلمات التي نرجو أن تتنزل في محاربة الفساد في شقيه المادي والمعنوي؛ لا يمكن أن نتجاوز ما حصل في آخر اجتماع للحكومة، والتوجه الحازم الذي أظهره صاحب الفخامة بعد أن أطمأن المجرمون المفسدون وظنوا أنهم قادرون على الاستمرار في تخريبهم دون محاسبه؛ فأتاهم خبر الإقالة في ضربة قاضية؛ تؤسس لما بعدما... فإما أن نجعلها فتكة بكرا موقعة بالفساد، تتبعها أخواتها تعتلي رقاب كل من خانوا الأمانة، وإما أن نفرغها من محتواها الإيجابي الذي شحنها به فخامة رئيس الجمهورية عندما أوقعت بثلاثين رأسا كبيرة؛ أينعت فقطفت في الوقت المناسب دون تردد، دعونا ندعم هذه الخطوة المباركة في سبيل إرساء محاربة الفساد والمفسدين حقيقة وحكما من خلال عدم الوقوف أو المساندة لأي من الذين طالتهم هذه الشبهات حتى نتبين حكم القضاء فيهم، فمن برأته العدالة لا ضير في مساندته والذود عنه في استرجاع كرامته التي فرط هو فيها حينما عرضها للشبهات، ومن حكم عليه بالوقائع المجرمة علينا أن لا نلين له ولا نتعاطف وإن كان من أعز الإخوان وأقرب الخلان، فمن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.

السبت، 2 أغسطس 2025

إلزامية المراسلات باللغة العربية الدلالة والحجية/ عثمان جدو

تكتسي اللغة العربية أهميتها كأي لغة أم لأي مجتمع؛ وتزيد على ذلك بميزات تفضيلية اختصت بها دون غيرها؛ فاللغة العربية تعتبر لغة أم للمجتمع الموريتاني دون استثناء بفعل محوريتها في الدين الإسلامي، فهي اللغة التي أُنزل بها القرآن الكريم، والمجتمع الموريتاني عموما، مجتمع مسلم، مسالم، يتعبد الله بتلاوة القرآن في صلوات اليوم الخمس، أي آناء الليل وأطراف النهار، وفي أوقات التبتل الأخرى، وطبعا لا يوجد في مجتمعنا حسب الظاهر والمعلن إلى اليوم من يقرأ القرآن بغير اللغة العربية، فنحن نختلف عن غيرنا من المجتمعات التي تدفعها ضرورتها اللغوية إلى ترجمة القرآن وتفاسيره وكل ما هو ضروري من نصوص وأمور الدين. ومن منطلق أن اللغة هي سبيل التواصل والتفاهم الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهي الوعاء المنهجي لتمرير الأفكار، وتجسيد المعتقدات، فمن خلالها يمكن تحويل الأفكار من مجرد خيال ذهني إلى واقع عملي ملموس ومحسوس؛ وبها يمكن التعبير عن المشاعر والأحاسيس المختلفة حسب مبتغى الشخص، واللغة هي الميراث الشرعي للثقافة وهي الحاضن الرئيسي للتراث، وثراء اللغة هو نتاج منطقي لثراء الثقافة، ولا يمكن لأجيال الأمة أن تفهم تاريخها أو تستوعب مضامين حضارتها دون فهم وإتقان لغتها، فاللغة هي المرآة الناصعة العاكسة لقيمة الأمة، وكلما زاد مستخدموها زادت قيمتها وانتشرت وكثر تداولها . لقد أدرك الكثير من دول العالم، ومنظماته، وهيئاته الأممية؛ قيمة ومحورية لغة الأم، ومدى ارتباطها بتحقيق الأهداف التربوية الكبرى لأي مجتمع، وما كان ذلك وليد الصدفة بل جاء نتاج تجارب،ودراسات، تناولت الموضوع عن كثب؛ حتى تجلت للجميع قيمة لغة الأم في كونها تشكل حافزا أساسيا على الإبداع، ومعينا مباشرا على جودة اكتساب العلوم والمعارف، ولذلك أدرجت الدول الرائدة فيمجال التنمية التركيز على لغاتها الأم، لخلق فضاء إبداعي أكثر اطمئنانا إلى جودة المخرجات. ولقد حسمت التقارير والدراسات الأممية الأمر حول أهمية لغة الأم في التدريس، وفي التعامل، والتداول،وكان من ذلك ما أوصت به اليونسكو اثناء تخليدها لليوم العالمي للغة الأم في 21 فبراير 2016 حيث قضت؛ تسليما، بضرورة التدريس بلغة الأم، وعزت في تقاريرها حيال الموضوع؛ الأفضلية الناتجة في دول الريادة إلى تدريسها لمناهجها التعليمية بلغاتها الأم. إننا إذ نقف اليوم على القرار الريادي، والمنصف، والشجاع، الذي أرسل به وزير الاقتصاد والمالية؛تعميما، إداريا، مُضيئا، ومُلزما، بقوة القانون، وما كان له أن يتجه إلى هذا الاتجاه لولا إدراكه العميق،ويقينه التام بمطابقة هذا القصد لإرادة فخامة رئيس الجمهورية التي تنصب حول إعزاز وتقديس اللغة العربية، وهو في ذلك أيضا يتكئ على ركن شرعي وقانوني متين، فالدستور الموريتاني ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وبذلك يجب أن تكون هي لغة العمل، والتعلم، وتداول الوثائق، وكونها لغة القرآن التي تشكل وعاء حاضنا قيضه الله جل وعلا لحفظ ألفاظه وفهم معانيه، فهي بذلك تلتحف بستار سميك من الطهارة، والحرمة، والقداسة، ومن ناحية مؤهلاتها الذاتية، مقارنة باللغات الأخرى، فهي اللغة المُدرجة ضمن ست لغات أممية رسمية، وهي أشملهم ثراء، وأكثرهم جذورا، فجذور اللغة العربية المتفق عليها 16 ألف جذر، وبعضهم رفعها إلى أكثر من ذلك بكثير، أما مفرداتها دون تكرار فتصل 12 مليون كلمة، وتصنف الأولى عالميا من حيث دقة المعاني، هذا مقارنة باللغة الفرنسية مثلا التي لا تتجاوز مفرداتها 150 ألف،وجذورها 2500 تقريبا، والإنكليزية اللغة الأكثر انتشارا عالميا مفرداتها 600 ألف، وجذورها تقدر 3 آلاف. من هنا تتضح أسرار اللغة العربية العجيبة، ومؤهلاها الفريدة، وخصوصياتها الفذة، ودررها الثمينة.

الاثنين، 28 يوليو 2025

انواذيبو..عندما يرتوي الظمآن

#انواذيبو.. عندما يرتوي الظمآن/ عثمان جدو 🛑قبل تسع سنوات من الآن أصبحت مقيما في انواذيبو لضرورة مباشرة العمل؛ وكانت يومياتنا مع طلب الماء في عاصمة البلاد الاقتصادية، مدينة انواذيبو بكامل زخم التسمية؛ أشبه بحياة الريف عند جلب الماء، وما يعتري ذلك من صعوبة ومشقة مع استثناءات قليلة في بعض المناطق والأحياء، فعندما ينقطع الماء عن الحي، أو المنزل الذي تسكنه، أو المرفق الذي تداوم فيه، وما أكثر أيام ذلك المشهد، فإن الكبير والصغير والرجل والمرأة كل يحمل وعاءه لجلب الماء من مكان قد يكون بعيدا جدا، أو دون ذلك إذا تحرك الحظ؛ معتمدا في عملية الجلب هذه على سواعد لم تتعود ذلك غالبا. لقد ازدادت معاناة بسطاء المواطنين مع توفر الماء الذي يشهد ضآلة في أحسن الأحوال على مدار العام، وندرة شديدة إبان الصيف، هذا طبعا مقارنة مع حاجيات الساكنة التي تنمو وتتعزز كأي ساكنة في أي مدينة كبيرة، أحرى أن تكون مدينة مرغوبة، ومحبوبة.. زادت المعاناة واتسعت رقعتها عند ما دخلت على خط الاستثمار في هذه المدينة شركات ومصانع دقيق السمك (موكا) التي تتطلب في معالجتها الصناعية كميات كبيرة من إكسير الحياة. تطورت هذه الحالة في بعض أحياء انواذيبو، خاصة الأحياء الفقيرة حتى نسي بعضهم طريقة فتح صنابير المياه، وكان حظ المحظوظين أن تصلهم المياه عبر الصهاريج، والسيارات ثلاثية العجلات (واو) التي تولت بلدية انواذيبو توفير الماء من خلالها لسنوات؛ بعدالة تامة ومهنية كبيرة، والحق يُقال دون محاباة أو مجاملة؛ ولو أن ساكنة انواذيبو استقبلت من سنواتها ما استدبرت وتجاهلتها سقاية البلدية أو عجزت عن توفير هذا النزر القليل الذي سقتها به لهلكت عطشا. بوادر الأمل عندما أدى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني زيارة عمل لمدينة انواذيبو، والتقى في ليل يومها الأول بالمواطنين للاستماع إلى مشاكلهم ومشاغلهم، عن كثب، دون حجاب أو ترجمان؛ تعهد لهم في معرض رده على ما طُرِح من هموم وشواغل الساكنة أن عطش انواذيبو سينتهي، وأن ظلام ليلها سيزول.. لقد تعهد فخامة الرئيس بحل المشكل بعد أن اعترف بوجوده طيلة حقب ما كان ينبغي تجاوز مداها قبل حله حلا نهائيا، بوصفه أولى الأولويات، وتاج الحاجات التي يلزم الدولة إشباعها لمواطنيها. بعد فترة ألزم فخامة الرئيس لجنة وزارية رفيعة المستوى بمتابعة مدى تنفيذ التعهدات وحل المشكلات التي تغض مضجع المواطن في عروس مدننا الساحلية، وعاصمتنا الاقتصادية، وقبل أقل من ثلاث سنوات من الآن تحديدا شهر دجمبر 2022 وضع فخامة الرئيس الحجر الأساس لمشروع ينهي معاناة ساكنة انواذيبو مع العطش كليا من خلال استجلاب الماء بالكيفية التي ينبغي أن يستجلب بها من بحيرة بلنوار، لا عن طريق الأوعية اليدوية الأهلية، ولا عن طريق الصهاريج، ولا السيارات ذات العجلات الثلاثية. إن أكثر المتفائلين الموالين للنظام لم يكن يتوقع أن يكون هذا المشروع نشازا من التعثر الكلي، أو على الأقل التأخر النسبي، فالمشاريع الوطنية غالبا ما لا تنهيها الجهات المنفذة لها وفق دفتر التزاماتها في تاريخها المحدد، بل عودتنا على زيادة في الأجل المحدد عند ما يقترب موعد الانتهاء، وهذا المشروع الاستراتيجي الهام جدا جدا انتهى قبل موعده بخمسة أشهر؛ إذ المفروض أصلا أن يسلم في دجمبر 2025 كما بدأ في دجمبر 2022 وحدد لإنجازه حسب المعلن المُذاع ثلاث سنوات، وهذا شيء مهم في إنجاز المشاريع الوطنية يجب التوقف عنده والإشادة به؛ لرمزية الاهتمام بدقة الوقت في الالتزام. إنجاز الوعد والوفاء بالعهد قبل أشهر من الآن، تحديدا نوفمبر من العام الماضي، كُنَّا هنا في انواذيبو على موعد مشهود مع حدث هام؛ في سبيل إرواء عطش السكان، مع تدشين فخامة رئيس الجمهورية لمشروع في ذات المضمار الذي ينساق فيه هذا المشروع العملاق، ألا وهو تحلية المياه الذي أضاف إلى الموجود سعة 50% أي إضافة 5000 متر مكعب يوميا. أما هذا المشروع المائي الكبير الذي دُشِّن اليوم فقد أُعِدت العدة لأن يكون فتكة بكرا بالعطش والمعاناة في هذه المدينة؛ فكان الأنبوب الناقل للماء من الآبار الارتوازية العشر؛ المدعمة للموجودة أصلا، والحاضن لعصب الحياة بقطر 800 ملم، وبقدرة ضح تصل 30000 ثلاثين ألف متر مكعب يوميا، دون طاقة ضح بل تتضاعف القدرة لتصل 60000 ستين ألف متر مكعب يوميا مع وجود طاقة للضخ، ويمكن للملاحظ البسيط أن يدرك الفرق؛ فالأنبوب الأول مع طاقة ضخ كان يصل أعلى ما يصل إلى 20000متر مكعب يوميا فقط. لقد ولى عهد المعاناة مع العطش إلى غير رجعة بإذن الله تعالى، ولقد وعد فخامة الرئيس فوفى بوعده لشعب يستحق كل ذلك، فالدولة لا ينظر إليها أنها حارسة للمواطن، توفر له الأمن فقط، أو تقيده متى ما ظهر لها أن ذلك أولى؛ وتتركه يصارع عاديات الزمن مع قساوة الأيام، بل إن من آكد الحقوق المترتبة للمواطن على الدولة؛ إشباع حاجات المواطنين من صحة، وتعليم، وماء، وكهرباء، وغيرها من أساسيات الحياة التي تنعدم بعدم وجودها. في هذا اليوم المشهود دشن فخامة الرئيس كابلا بحريا هاما جدا، يضمن بحول الله تدفق الأنترنت بسعة كبيرة وجودة عاليا، مجسدا السيادة الوطنية الرقمية، وموفرا أمان الاستقلال الذي لم يكن حاصلا قبل هذا بالاعتماد على الكابل البحري الأحادي اليتيم الذي كنا نُطل من خلاله على العالم؛ رقميا، إطلالة تشاركية، ومن خلال هذا الكابل والخدمات التي سيوفر لبلادنا؛ الانفتاح على السوق الأمريكية اللاتينية بعرى حبل وطني رقمي متين؛ مكتمل السيادة الوطنية. لم تقتصر تدشينات هذا اليوم الوطني المشهود في انواذيبو على مشروع المياه والكابل البحري رغم أهميتهما، كل في مجاله؛ بل اتجه فخامة الرئيس مباشرة إلى تدشين مصنع للسمك؛ يُعد من أكبر المصانع في البلاد، وهو منشأة لمعالجة منتوج الصيد السطحي، مُنجز بشراكة وطنية وعربية، ومنه توجه إلى وضع الحجر الأساس لإعادة تأهيل الرصيف التجاري لميناء انواذيبو المستقل، وهو الميناء الذي أنشئ في ستينيات القرن الماضي ولم يستفد منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا من ترميم أو إعادة تأهيل وهو الذي يعول عليه في استقبال البواخر الكبيرة والعملاقة جدا، ومعروف ما لذلك من قيمة ومردودية على الحركة المينائية خصوصا، والدورة الاقتصادية الوطنية عموما. ختام هذه التدشينات كان وضع الحجر الأساس لمدرسة التعليم الفني والتكوين المهني لتقنيات الإعلام والاتصال، وتعد هذه المدرسة مرفقا علميا تكوينيا يُؤَمِّنُ عدم هجرة البنات خاصة إلى العاصمة والذي عادة ما يكون الحل الواقعي إن نجت الطالبة من التوقف عن الدراسة كخيار أو السفر بعيدا عن الحاضنة الأسرية، وهذه المنشأة في ذات الوقت توفر للفتيان من أبناء المدينة ومن غيرهم تعليما فنيا وتقنيا وتكوينا مهنيا عالٍ في مراتع الصبا بين الأهل والخلان.. أخيرا علينا جميعا أن نفرح بكل حجر وضع اليوم وبكل ستار أزيح؛ فالشيء الأكيد أن كل مُنجزٍ باقٍ، ولكل مواطن فيه حظ ونصيب، بعيدا عن وهم التجاذبات السياسية، وولاءاتها الضيقة؛ باختلاف مشارب أهلها، وعدم إنصاف المخالف منهم

الجمعة، 11 يوليو 2025

القوة الناعمة أجدى من نرجسية غشوم/ عثمان جدو (مقال)

في هذا العالم المليء بالصراعات والتحديات المختلفة، تتنافس كبريات الدول وما يتبعها من جيوش وكيانات إلى السباق نحو حيازة آليات التدمير، والقضاء على الآخر في دوامة مطاردة المصالح، وإثبات الذات، وإشباع الغرائز السياسية التسلطية، وتحقيق الأطماع التوسعية بمفاهيمها المختلفة، فلا تفكير لجل القادة خارج دائرة حيازة أسباب القوة والتفوق العسكري؛ كل بما أوتي من قوة وسمحت به ظروفه المحيطة، وأعانته عليه تحالفاته، أو تفاهماته، أو تبعياته، في هذا العالم الذي هذه بعض ملامحه التي تجسدها الدول العظمى، والقوى المهيمنة وتنكشف كثيرا من خلال تصرفات بعض القادة الذين منهم؛ بل بالأحرى في طليعتهم في هذا المنوال الرئيس الأمريكي اترامب الذي عرف كثيرا بتعاليه على جلاسه ونرجسيته التي لا يوازيها سوى النهم في جمع المال والسعي في حيازة المزيد رغم ما أوتي منه. لقد تابع العالم كثيرا من مواقف الرؤساء والزعماء والقادة المحرجة التي يوقعهم فيها اترامب خلال لقاءاته معهم وكيف كان للباقة وحذاقة بعضهم تفوق في النهاية على سلطوية ونرجسية هذا الرئيس الذي يقود أكبر قوة في العالم؛ تهيمن على اقتصاد العالم وسياسته، ولها النفوذ العسكري؛ لكن يد الله فوق أيديهم. وبالرغم مما بذل هذا الرئيس من إنهاء حروب في جغرافيات محددة مثل التوقيع على إنهاء الحرب القديمة الطويلة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن، وقبل ذلك توقيف الحرب التي كانت ستكون مدمرة ولها عواقب وخيمة على السلام في العالم والتي نشبت بين باكستان والهند، طبعا بذل اترامب جهدا في إنهاء هذه الحرب من خلال اتصالات هاتفية محدودة مع زعماء وقادة البلدين، وتمكن من إنهاء الحرب بين إيران وربيبه المدلل إن جاز هذا التعبير مع أنه دعم طرفا خبيثا ظالما وغضَّ الطرف عن تجاوزاته واعتداءاته المتكررة على سيادة الدول، وأغمض العينين وأكثر عن جرائمه في غزة العزة والكرامة؛ ولم يتألم إن كان في قلبه مكان لذلك وهو يشاهد أشلاء النساء والأطفال في مشاهد يومية متكررة عرَّت قبح العالم؛ وماز الله بها الخبيث من الطيب، فمن كال في قلبه مثقال ذرة من إحساس بشري سيتألم لا محالة للمدنيين العُزَّل في مستشفيات غزة، وفي بقايا دورها، وأثر شوارعها، وأطلال أسواقها، وسيبلغ به الألم والتأثر مداه وهو يشاهد أجساد الأطفال مُقطعة بفعل آلة الغدر والقهر؛ حتى أن الأمر بلغ من الفظاعة بأن يرفع جنين قطع رأسه وهو في بطن أمه!! أي وحشية هذه؟ أي عداء؟ أي ظلم؟ أي قهر؟، لقد اسمع هذا المشهد كل حي، وتفاعل معه كل صاحب ضمير مهما كانت نسبة الإنسانية فيه ضعيفة، ونقيض ذلك يُجسد المقولة: ما لجرح بميت إيلام. لقد تابعنا مرارا فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يندد ويطالب بإنهاء المعاناة في غزة وتوقيف آلة الحرب المدمرة التي تطحن أجساد الأبرياء؛ من ذلك ما كان أيام توليه قيادة القارة الإفريقية ومنه ما كان في مناسبات دولية أخرى، عبر عن ذلك تعبيرا مسطورا تارة، ومنطوقا تارات أخر، وعلى نهجه سارت الخارجية الموريتانية مرات عدة، وهذا جهد بلادنا ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بحديث الذات أن لنا جهدا فوق المطالبة والتنديد؛ ولقد يُعذر باذلُ مبلغِ الجهد. أما بخصوص صدى اللقاءات الجارية حاليا بين فخامة رئيس الجمهورية وبقية المدعوين من القادة الأفارقة مع الرئيس الأمريكي وأعوانه فإن ما تناهى إلى مسامعنا من حيثياتها وكواليسها يحسب حسابا جيدا بضارب كبير؛ حسب منطق الامتحانات التي يجريها طلاب الباكلوريا حاليا، فلقد حاز فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كامل الاحترام والتقدير في الخطاب والمعاملة والاعتبار أكثر من أي رئيس إفريقي حاضر في هذه اللقاءات المشهودة والمتابعة من العالم بأسره، وما كان ذلك بمحض الصدف؛ فالأشياء لا تقع من تلقاء نفسها، بل إن طبيعة فخامة الرئيس الغزواني الهادئة، ونجاحه في زرع السلام والتآخي إبان توليه رئاسة القارة الإفريقية حيث كانت بين يديه ملفاتها التي ذللها معتمدا على إطفاء الحرائق الدبلوماسية، وتجفيف منابع الخلاف، وردم كل ما من شأنه إنبات شوك الحروب أو إيقاظ جذوة الفتن، كل ذلك كان له رصيدا ناعما حرَّك مشاعر الدبلوماسية المؤثرة في العالم تُجاهه، احتراما وتقديرا، وهو ما ظهر على لسان اترامب الذي لا يجامل وإن اقتضت اللباقة الدبلوماسية ذلك، بل يتعدى بالألفاظ، ويهين بالإشارات، ويستفز بالحركات. لقد نجح الغزواني في كسب وُدِّ قادة العالم بالقوة الناعمة التي تقهر نرجسية كل سلطان غشوم، وتسلح بأمن وأمان بلاده، وهدوءها السياسي الذي عمل على تجسيده منذ توليه مقاليد الحكم؛ وزاد المجتمعين معه زهوا به أن بلاده أصبحت تدخل نوادي تصدير الغاز مشاركة وإضافة؛ لا بسطا ليد المتسول، لينضاف ذلك إلى الإمكانيات الهائلة والمقدرات التي حبا الله بها بلادنا؛ والتي حتما سيكون لها التأثير والنجاعة الأفيد في ظل قيادة منفتحة على قوى التحكم والتأثير في العالم دون ذوبان زائد أو تفريط مخل. أخيرا يمكن القول بكامل الثقة أن ما يحاول عبثا بعض المرجفين والمشوشين على النجاحات الدبلوماسية المشهودة من خلال نفث سموم الافتراء حول إمكانية نقاش استئناف علاقات بلادنا مع كيان الغدر والخيانة أو الانتظام فيما يعارض قول الباري جل وعلا في حصر الدين القويم عند الله في الإسلام أمر في غاية الزور والبهتان؛ وحري به أن لا يخرج إلا من فيي من يخرج من ضئضئ من قابلوا نبي الهدى والسلام بفحش القول وعظيم الشنآن.